بين الحماس الانتخابي المشروع وبين استعدادات القوى السياسية لمرحلة مابعد الموصل، يشهد العراق حراكا متعدد الاشكال لايقتصر على البيئة المحلي
بين الحماس الانتخابي المشروع وبين استعدادات القوى السياسية لمرحلة مابعد الموصل، يشهد العراق حراكا متعدد الاشكال لايقتصر على البيئة المحلية وحدها، بل ان حضور العامل الاقليمي والدولي كان ملموسا بوضوح.
لازالت المكونات العراقية مشغولة بمصير السلطة السياسية وتأثيرات الامن المحلي والاقليمي في ترتيباتها، اما مصير الدولة العراقية فلاينظر اليه الا من زاوية مصلحة الطائفة او المكون او الاثنية والاقلية.
مجتمع المكونات هذا يعيش حراكا واسعا شعاره البحث عن العدالة والحقوق والشراكة ومصلحة جمهور هذا الفريق المكوناتي او ذاك، فبعد مؤتمر جنيف الذي شاركت فيه بعض القوى السنية في ظل انقسام حاد بينها وتوجسات من المشاريع المطروحة التي تتبناها مراكز دراسات ومصانع افكار وحلقات تخطيط استراتيجي تابعة لدول واجهزة مخابرات، ينشغل الساسة الكرد بترتيب بيتهم الداخلي مع حرص كبير على المحافظة على مكاسب ( الكونفدرالية) التي تحققت طيلة السنوات الماضية والتي جعلت قوى داخل الاقليم تعتقد بان الخصومة مع بغداد هي سياسة ممنهجة للدفع باتجاه تغليب قوى على اخرى، وكسب الرهان السياسي والامساك بالقرار الكردي دونما اجماع سياسي ولاموقف حزبي موحد ولاتفويض شعبي كامل.
البيت الشيعي الذي يمثله التحالف الوطني غارق حتى اذنيه بتنافسات اطيافه واحزابه وشخصياته وعاجز عن ارضاء جمهوره وغير قادر على التفكيك بين مسؤولياته في الدولة باعتباره المكون الاكبر وبين طموحات قواه البينية في البقاء ضمن صدارة المشهد، دون تحمل تبعات ونتائج ضعف الاداء، كأن شخص رئيس الحكومة او ممثلي التحالف في الحكومة، هم من يتحمل المسؤولية وحدهم، وماسواهم احزاب ظل وقوى تعمل جهدها للتملص من مسؤولية الادارة.
الاستعداد للانتخابات من حق الجميعرغم التحديات الشرسة القائمة، وهي دلالة قلق من المستقبل، ومن حقهم النظر بالقانون الانتخابي ودراسته من جوانب متعددة، لكن ليس من حقهم ان يكون الاحتفاظ بجمهورهم مشدودا اليهم، عبر حركات عصبية ومشاريع صراعية واستعراضات شارعية تهدد امن البلد وتربك سياسته الخارجية وتوثر على سير المعارك العسكرية الملحمية الجارية في شمال غرب الوطن. الاستعجال الانتخابي امر مشروع، لكن لم تبادر جهة بعينها لمصارحة الجمهور بأخطاء مرحلة عصيبة، فتعترف بمقدار الفشل وسوء التدبير وخطل المواقف والسياسات، وضيق الافق وهزال الرؤية، ليكون الجمهور امام منهج في الواقعية السياسية وليكون السياسي في مواجهة حقيقية مع جمهوره، يرسم لوحة اخفاقات ويعدد خريطة انجازات.
التواري خلف يافطات عريضة وادعاء الحفاظ على مصلحة الجمهور في ظل صراع المكونات على اقتسام السلطات ومراكز صنع السياسات، لن يكون له حضور كبير في واقع التنافس الانتخابي القادم، لدينا جمهور محبط واستعداد كبير للانخراط في مشاريع سياسية عنيفة زادتها تراكمات من الاخطاء والممارسات والمتاجرات والخطابات السياسية غير العقلانية، وربما يندفع ساسة وطامحون اعتمادا على متغيرات المواقف والسياسات الاقليمية والدولية، وهذا قد يعيدنا الى صراع ايديولوجيات خطير لايحتمله العراق وهو لم يتخلص بعد من مخاطر الارهاب على وجوده كدولة.
هناك سعي حثيث للدفع باتجاه صراع اسلامي -علماني، او ديني -مدني، او قوى قديمة تم اختبارها في السلطة وقوى جديدة تقدم نفسها بديلا عن الذين تم تجريبهم، وفي ظل هذا الاحتدام والصراعات القومية والطائفية القائمة، فان اصداء المواقف والتصريحات في كل من واشنطن والرياض وانقرة وطهران ستكون حاضرة بشراسة في انتخاباتنا القادمة.
العراق بحاجة الى تيار سياسي اخر يقدم للجمهور رؤية سياسية واقعية واهداف مرحلية ممكنة واشخاص لم تنعكس الظلال السوداء على صورهم، تيار لايرهن مواقفه للبيع بحسب اتجاهات القوة في المنطقة وصراعات الدول المحيطة بالجغرافيا العراقية، مطابخ السياسة ومراكز التفكير معنية بالبحث عن اطار لهذا التيار تكون مصلحة الشعب اولوية لديه من خلال اولويات الدولة العراقية ذاتها.