في قمة بغداد 2 التي انعقدت في الاردن في العشرين من كانون الاول 2022، قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون: ان العراق اليوم يعتبر مسرحا للتأثيرات والتوغلات وعمليات زعزعة الاستقرار المرتبطة بالمنطقة برمتها، وان العراق .. هو احد الضحايا الرئيسيين لزعزعة الاستقرار الاقليمي، بعد ثلاثة ايام من انتهاء قمة (دعم العراق)، حطت رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني في بغداد مستهلة مباحثاتها مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعبارة ذات دلالات قوية :العراق القوي هو شرط من شروط استقرار الشرق الاوسط وازدهاره .
التصريحان الفرنسي والايطالي يلخصان المنظورات الستراتيجية الغربية للعراق ،صورة ودورا ومستقبلا ،فللعراق صورة خارجية غير مستقرة تقرأها الدول المتعاملة معه عبر مجساتها المختلفة، الدبلوماسية والاستخبارية والبحثية، البلدان التي تراقب احوال العراق، تقرأه بعيون فاحصة، ترسم صورته وفقا لمؤشرات ومعلومات كثيرة، وفي ضوء ماتستنتجه هذه القراءات تتحدد خيارات التعامل ،بالاجمال تصنف هذه البلدان العراق، دولة هشة سياسيا وامنيا واقتصاديا ،حتى وكالة فيتش صنفت العراق عند فئة B سالب مستقر.
يخشى العالم من مفاجأت العراق واضطرابه ويدركون حجم المخاطر المترتبة عليها ونتائجها السلبية على الامن والسلام الاقليمي والدولي، العراقيون من جهتهم، يتحدثون كثيرا عن بلادهم العريقة ذات الحضارة العتيقة والتأثير الكبير في معادلات القوة والضعف على الصعيد الدولي والاقليمي، لكنهم لايحسنون صناعة صورة خارجية لبلدهم تساعد في اجتذاب الاستثمارات واقامة العلاقات الواسعة، وتشجيع السفر اليه ،كل مايتعلق بالعراق مؤشر عليه علامة الحذر، حتى الان لم ينجح العراقيون في ترجمة عناصر قوة واهمية بلادهم خارجيا.
تنتظر الدول الكبرى والمتوسطة والصغيرة مايقرره العراقيون انفسهم، لبناء رؤيتها الامنية والاقتصادية والسياسية ازاء العراق، العالم مازال متشككا من نجاح العراقيين في بناء رؤية مستقلة تستجيب لمقتضيات امنهم واقتصادهم وسيادة بلادهم الوطنية، العراقيون يعيشون انقساما بين مشاريع متعددة ، ويتحرك بعضهم وفقا لرؤى عابرة للمصالح الوطنية، جريا على عادة فكر سياسي قديم ، يقزم العراق ويجعله قطرا، ووحدة جغرافية وسياسية تقوم بادوار وظيفية ضمن مشاريع كبرى مقررة سلفا، لايمثل فيها الا خزانا بشريا ، ومحفظة نقود كبيرة، وسوقا استهلاكية عظيمة وحماسة ايديولوجية لاتهدأ، ،العراقيون هم الذين يحددون كيف يتعامل معهم العالم وليس العكس،! انهم هم المسؤولون عن رسم صورة بلادهم الخارجية بعد ترسيم خياراتها داخليا ، فهل يريدونه بلدا فاعلا في المنطقة والعالم ،ام بلدا مستجيبا يتأثر بمشاريع سياسية ذات منطلقات ايديولوجية بمسمىيات قومية واسلامية .
تسعى دول العالم المختلفة الى تسويق نفسها بصورة ايجابية وعبر مسارات متعددة ،بالاضافة الى الدبلوماسية العامة ومسالكها المتعددة، هناك الدبلوماسية الشعبية واساليب التسويق والدعاية والاعلام والدراما، وكلها تستهدف الاقناع والتأثير لبناء علاقات ذات جدوى ومنفعة اقتصادية وامنية وثقافية وعلمية للبلد، منذ عقود والعالم يتعامل مع العراق بوصفه خطرا امنيا بالدرجة الاولى، رغم انه كان ومايزال فرصة استثمارية كبيرة، ومصدرا هائلا ومهما في سوق النفط والطاقة العالمي، وقوة بشرية ذات قدرات كامنة ،العالم يخشى من العراق المضطرب سياسيا والمتخلف اقتصاديا وتقنيا، والمتضرر بيئيا بسبب الحروب والاحتباس الحراري والتلوث والجفاف والارهاب.
جميع بلدان العالم تتعامل مع العراق ضمن منظور امني -سياسي وعلى اساس تقدير المخاطر بسبب ظروفه الجيوبولتيكية، في وقت تشتد الحاجة عراقيا الى مسابقة الزمن لتطوير البلاد وتحسين شروط الحياة فيها، وهي المهمة التي لن تكتمل بدون رعاية دولية واقليمية، ودعم غير محدود بسبب حجم التحديات الكبير التي تواجه البلاد، في الاسبوع الثالث من شهر كانون الاول صدر تقرير صندوق النقد الدولي عن حاجة العراق الى انفاق 233 مليار دولار على مدى 17 عاما للتغلب على مخاطر الجفاف والاحتباس الحراري ،فهل بالامكان توفير هذا المبلغ الكبير دونما تعاون اقليمي ودولي؟
العراق اذن بحاجة الى رعاية واحتضان دولي، وسياسة خارجية فعالة وحراك سياسي داخلي لضمان الاستقرار والامن والحوكمة القوية ، لكن ماهي شروط هذه الرعاية ؟ وعلام تعتمد لتكون ممكنة وناجحة ؟ انها تعتمد على تبلور رؤية العراق لنفسه ودوره، وعلى صياغة العراقيين لهذه الرؤية، فهل يريد العراقيون بلدهم ذا سيادة ،يتصرف تبعا لاحتياجاته ومصالحه وفق منطق الثقة والتعاون وتبادل المنفعة ؟ ام مازالوا يعيشون هواجس واوهام المؤامرات والمشاريع الدولية التي تريد تحطيم العراق ونهب ثرواته كما يسوق لذلك تيار عراقي عالي الصوت؟ ان تحديد طبيعة العلاقة مع الاخرين يعتمد على حسم هذه الرؤية والاجابة على الاسئلة المهمة المرتبطة بها، واولها ماذا نريد من العالم وباي ثمن؟ وماذا يريد منا العالم وبأي شروط ؟. ليس من اليسير جعل العراق بلدا محوريا اعتمادا على معطيات ثابتة، كالموقع والثروات والتاريخ بدون عمل جاد وقدرة على الاقناع والتسويق وسياسات منفتحة على العالم، البيئة الاقليمية والدولية المضطربة، في محيط العراق، وابعد من محيطه الجغرافي، تستلزم المحافظة على امن مستدام وسياسة خارجية متوازنة ونضج سياسي لدى صناع السياسات واجراءات فعالة ضد الفساد، فما من احد يأتي لمساعدة العراق اذا لم تكن صورة الداخل والخارج مواتية وجاذبة لمن نريد منهم مساعدتنا .
*ابراهيم العبادي، كاتب عراقي، عضو ملتقى النبأ للحوار