الحقوقي
مشير رشيد ابراهيم/ مدير عام الدائرة القانونية/ هيئة النزاهة لاقليم كوردستان
انعدام العدالة وبروز التسيس في قرار المحكمة الاتحادية العليا بحرمان الاقليم من مستحقاته المالية
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم 170 / اتحادية / 2022 في 35 / 1 / 2023 قضت فيه بابطال ستة قرارات لمجلس الوزراء الاتحادي امر فيها بدفع مبالغ كجزء من مستحقات اقليم كوردستان المالية لعامي 2021 و2022 بحجة مخالفتها لقانون الموازنة العامة للدولة لعام 2021 ، والذي تضمن عيوب بالغة الخطورة من الناحية الشكلية والموضوعية وانعدمت فيه العدالة واعلنت المحكمة به وبقرارات سابقة اخرى بانها اضحت طرفا في النزاع السياسي واداة ضغط سياسية تستخدم ضد الاقليم لتجويع شعبه وحرمانه من مستحقاته ، وفيما يلي اهم العيوب الشكلية والموضوعية في القرار :-
اولا:- تجاوز شرط المصلحة:-
1-تجاوزت الحكمة الاتحادية العليا شرط المصلحة في تلك الدعوى حينما قبلت دعوى نائب في مجلس النواب العراقي بطلب ابطال قرارات مجلس الوزراء القاضية بصرف مبالغ لاقليم كوردستان على حساب مستحقاته من الموازنة العامة لعام 2021 و2022 لدفع رواتب موظفيه.
اذ ان النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2022 يشترط ان لقبول الدعوى ان يكون للمدعي مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني او المالي او الاجتماعي وان يكون النص المطعون فيه قد طبق فعلا على المدعي ، في حين ان قرارات مجلس الوزراء المطعون فيها منقطعة الصلة بالمدعي ولم تطبق عليه وليس له في الطعن عليها مصلحة لا حالة ولا مباشرة ولا مؤثرة في مركزه القانوني ولا المالي ولا الاجتماعي.
وهو ما يخالف نظامها الداخلي الذي وضعته المحكمة الحالية بنفسها ويخالف ما استقرت عليه في مئات القرارات الصادرة منها .
2-ان المحكمة تجاهلت طعن وكيل المدعى عليه رئيس مجلس الوزراء في عدم توفر شرط المصلحة لدى المدعي، ولم تبين في اسباب قرارها الطويل كيف توفر شرط المصلحة لديه، مما يعني انها تجاهلت هذا الشرط عمدا مع معرفتها وعدم قدرتها على تخريج شرط المصلحة عند المدعي في تلك الدعوى فاختارت( التغليس ) عنه .
ثانيا:-عدم اكتمال الخصومة من جهة المدعى عليه :-
رغم انه من الصحيح اقامة الدعوى بطلب ابطال قرارات لمجلس الوزراء على رئيس مجلس الوزراء- مثلما فعل المدعي في تلك الدعوى – الا ان المعروف بداهة عند القانونيين ان الخصومة لا تكتمل في تلك الدعوى الا بمخاصمة او ادخال المتضرر من الاستجابة للطلب الوارد في عريضة الدعوى ( ابطال قرارات مجلس الوزراء بشان مستحقات الاقليم ) وهو بلا شك اقليم كوردستان، في حين ان المحكمة تغافلت عن نقص الخصومة في الدعوى وحكمت بها رغم نقص خصومتها بسبب عدم اقامتها على اقليم كوردستان الى جانب رئبس مجلس الوزراء، في حين ان المحاكم العراقية - وبضمنها المحكمة الاتحادية العليا -استقرت دوما بالقضاء برد الدعاوى التي تكون الخصومة فيها ناقصة شكلا لعدم اكتمال الخصومة.
ثالثا:- عدم بحث المحكمة في احقية الاقليم للمبالغ او عدم احقيته لها:-
ان المحكمة لم تبحث في احتساب ما يستحقه ، ولا ما لا يستحقه الاقليم من المبالغ المأمور بدفعها للاقليم بموجب قرارات مجلس الوزراء التي قضت بابطالها ، فهي لم تقض بعدم احقية الاقليم للمبالغ المأمور بدفعها ، لكنها تدعي مخالفة قرارات مجلس الوزراء لقانون الموازنة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 رغم ان تطبيق القانون المذكور يتطلب اجراء احتساب وتدقيق لم يكتمل بعد ، وفقا لما ينص عليه القانون نفسه ، اي ان تحديد استحقاقات الاقليم لم يتحدد بعد وفقا لما ينص عليه قانون الموازنة نفسه ، وانما امر مجلس الوزراء بدفع سلف للاقليم لتغطية رواتب موظفيه -اسوة باقرانهم في باقي اجزاء العراق- لحين الانتهاء من احتساب ما يستحق الاقليم فعليا لتصفية حساباته لاحقا.
ان احتساب ما يستحقه الاقليم من الموازنات الاتحادية امر بالغ التعقيد وفيه الكثير من الخلافات بين بغداد واربيل وليس من الممكن احتسابها بتلك السهولة والمحكمة تعرف تماما ذلك لذلك فانها تغافلت عن الخوض في تلك النقطة وحكمت بابطال قرارات مجلس الوزراء بحجة مخالفتها القانون دون ان تتوصل الى استحقاق او عدم استحقاق الاقليم لها ، مما يثير الكثير من التساؤلات عن مصلحة المحكمة في ابطال قرارات بدفع مبالغ لم يتبين عدم استحقاقها لاقليم كوردستان من خلال احتساب شفاف وواضح ؟
رابعا:-الحكم بابطال قرار لحكومة السوداني بحجة مخالفة لقانون الموزانة للعام الماضي:-
قضت المحكمة بابطال ستة قرارات لمجلس الوزراء منها خمسة متخذة في عام 2021 وقضت ايضا بابطال قرار سادس بالرقم 8 في 11 / 1 / 2022 بحجة مخالفته قانون الموازنة العامة للدولة رقم 23 لسنة 2021 في حين ان المعروف بداهة بان قوانين الموازنة تطبق خلال السنة التي تصدر بشأنها،ولا يمتد تطبيقها للسنة التالية ، وبالتالي فلا تطبيق لقانون الموازنة لعام 2021 على قرار مجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2022 لانه متخذ في زمن لا ينطبق عليه قانون الموازنة لعام 2021 ، لانه قرار صدر عام 2022 الذي لم تقر موازنته لحد الان .
خامسا:-تجاوز المنهاج الوزاري :-
سبق ان اعتبرت المحكمة الاتحادية العليا بان مخالفة اي نص او اجراء قانوني للمنهاج الوزاري الذي منحت الحكومة على اساسه الثقة يكون سببا للحكم بعدم الدستورية النص او الاجراء القانوني ، اي انها جعلت المنهاج الوزاري بمستوى الدستور في تلك المساءلة ، او انه -في الاقل- اعلى من القانون واقل من الدستور، ومع ذلك فان المحكمة في تلك الدعوى لم تلتفت الى ما نص عليه المنهاج الوزاري لا لحكومة السيد الكاظمي ولا لحكومة السيد السوداني حيث نص البند 23 ورقة المنهاج الوزاري لحكومة السوادني :-
(بدعم من القوى السياسية الموقعة على هذه الوثيقة تخول الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق بالتفاوض حول الملف النفطي والموازنة لحين اكمال تشريع قانون النفط والغاز وفقا للدستور خلال ستة اشهر ، وتشكيل لجنة من المختصين بالامور القانونية والمالية والنفطية في كل من الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم تتولى :-
أ- ب-
ج - عند تشكيل الحكومة خلال هذه السنة 2021 يتم تنفيذ قانون الموازنة لعام 2022 والاتفاق على اعداد مشروع قانون الموازنة 2023
د-تجنب اية اجراءا تصعيدية والتريث في الاجراءات التي تخص حكومة اقليم كوردستان ...).
فكان من المفترض بالمحكمة التي جعلت من المنهاج الوزاري بدرجة اعلى من القانون العادي- كقانون الموازنة العامة للدولة الذي يعد من القوانين العادية - ان تلتفت للمنهاج الوزاري لحكومة السوادني وترجحه – باعتبارها الاعلى درجة -على قانون الموازنة لعام 2021 ، خصوصا وانه قانون انتهى نفاذه ، وانما تراعي المحاكم الاوضاع القانونية الاخيرة في احكامها وليس الاوضاع القانونية التي انقضت ، من اجل ضمان استقرار البلاد وعدم تعقيد مشهده السياسي باكثر مما هو معقد .
سادسا:-عدم مخالفة قرارت مجلس الوزراء لقانون الموازنة العامة لعام 2021:-
ان قرارات مجلس الوزراء التي قضت المحكمة الاتحادية العليا بابطالها بحجة مخالفة قانون الموازنة العامة لعام 2021 لم تخالف ذلك القانون ، لان ذلك القانون علق احكامه على انهاء احتساب حقوق الطرفين الذي لا زال معلقا ولم ينهى بعد ، وليس من المنطقي حرمان موظفي الاقليم من رواتبهم لحين انتهاء ذلك التدقيق والاحتساب ، فاختار مجلس الوزراء منح الاقليم مقدار بسيط من مستحقاته كسلف لحين الانتهاء من التدقيق والاحتساب لمنع تضرر مواطني الاقليم من تاخير التدقيق والاحتساب وهو ما تمسك به وكيل رئيس الوزراء الاتحادي والذي تجاهلته المحكمة بالكامل ولم ترد عليه في قرارها لانه لا تملك ردا عليه حتما والا لا يمكن لمحكمة ان تتجاهل مثل هذا الدفع البالغ الاهمية وتهمل الرد عليه في تسبيباتها.
سابعا:-الطبيعة السياسية للنزاع وللقرار القضائي الصادر من المحكمة:-
ان الخلافات المالية بين الاقليم وبغداد واحدة من القضايا السياسية البالغة التعقيد والتداخل وهي ملف سياسي بامتياز لان قواعد حله غير منصوص عليها في الدستور ولا في القوانين- الا بطريقة مبتسرة وغامضة وغير قاطعة ولا محددة - بسبب كون العراق لم ينتقل من الناحية التنظيمية والقانونية الى دولة اتحادية( اقاليم وحكومة اتحادية) فعليا ، لان مجلس النواب لم يقم بدوره في تشريع القوانين التي تنظم العلاقة بين الاقاليم والحكومة الاتحادية -خصوصا في القضايا المالية- فلم تحدد القوانين ما يعد وارد مالي اقليمي ، وما يعد وارد مالي اتحادي ، مما ابقى الملف والخلاف المالي بين الاقليم وبغداد كملف خاضع للتوافقات والاتفاقات السياسية ، ومن عادة المحاكم الاتحادية حول العالم- كالمحكمة الاتحادية الامريكية العليا -ان ترفض الخوض في الملفات والنزاعات الخاضعة للاتفاقات السياسية مادامت لم تصدر قوانين بتنظيمها وفض التشابك بينها ، لان المحاكم انما تحكم بالدستور والقوانين الناظمة ، اما مع عدم وجود القوانين الناظمة فان المحكمة اذا فصلت في نزاع مماثل فانها تكون قد تورطت في الحكم بملف سياسي واضحت طرف سياسيا في النزاع لذا فانها ترفض الخوض في تلك الملفات والنزاعات مادام الحل فيها سياسي وليس قانوني او دستوري.
ان رائحة التسيس في هذا القرار لا تختلف كثيرا عنها في قرار المحكمة الاتحادية العليا السابق الصادر بشان الغاء قانون النفط والغاز في الاقليم الصادر بعد اكثر من عشر سنوات من اقامة الدعوى في ظرف سياسي معين ، وقرارها بحرمان الاقليم من تبنى تشريعات التقاعد التي يختارها خلافا للدستور الذي منح الاقليم تلك السلطة ، فتلك القرارات صادرة في اطار الضغوط التي تمارسها دولة جارة ضد الاقليم لتحقيق اغراض معينة لا تخفى على لبيب، والمحكمة الاتحادية العليا بمثل تلك القرارات فقدت حيادها واستقلالها لتكون جندي لدى طرف سياسي معين تحارب في صفه وتصدر قراراتها تنفيذا لاجنداته واوامره حتى شبهها السيد مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي بمحكمة الثورة زمن صدام ، فهي مقصلة اعدام الدستور والقانون وانهاء النظام الاتحادي الذي تبناه الشعب في دستور عام 2005 واداة التلاعب وخيانة الاتفاقات السياسية ،لتعيد انتاج حكم مركزي استبدادي ينفرد طرف سياسي فيه بالتحكم بالدولة ثرواتها وامنها ويتلاعب بدستورها.