لايحتاج السياسي والمراقب والمتابع لقضايا منطقتنا لمزيد من الادلة ليتاكد ان غالبية الكرد العراقيين مندفعين باتجاه الانفصال والاستقلال وان
لايحتاج السياسي والمراقب والمتابع لقضايا منطقتنا لمزيد من الادلة ليتاكد ان غالبية الكرد العراقيين مندفعين باتجاه الانفصال والاستقلال وان الحملات الدعائية والتحريضية والتجمعات السياسية كانت مدروسة بعناية تستهدف قطع الروابط السياسية والشعورية بين المواطنين الكرد والدولة العراقية ،وان الدفع باتجاه القطيعة المجتمعية مستمر بهدوء لتاكيد الزعم بان التعايش اصبح عسيرا وان المواطن الكردي لم يعد يعنيه من امر العراق وقضاياه وتاريخه وجغرافيته ورفاهه شئ بل ان السعي لاخراج المولود السياسي الجديد (دولة كردستان) يستوجب تحويل الشراكة الى عداوة والاخوة الى خصومة ،والتوحد الى انقسام والامن المشترك الى نكاية ومكايدة وفرص منفردة .
الان باتت فرص الابقاء على الدولة العراقية بحدودها التي تحددت بعد الحرب العالمية الاولى ،ضعيفة ،فرغم المعارضة الدولية والاقليمية القوية ،بل الاجماع الدولي غير المسبوق الرافض للاستفتاء الكردستاني ،لكن ثمة قوى غير مرئية تدفع باتجاه المجازفة وتشكيل كيان سياسي ستكون ولادته نهاية لدولة العراق (البريطاني) وبداية لعراق جديد لايكون مجاورا لتركيا بحدود مباشرة وعليه ان يفكر بجدية عالية للدفاع عن امنه القومي ومصالحه الجغرافية والاقتصادية والمخاطر الاستراتيجية التي ستترتب على ولادة الكيان الجديد.
تذهب الدول عادة للدفاع عن امنها القومي بناءا على تقديرها للمخاطر المترتبة على اي تغيير سياسي يحدث بجوارها او على مقربة من مجالاتها الحيوية و(حدائقها الخلفية والامامية) وتبني الكثير من الدول استراتيجياتها الدفاعية والامنية على احتمالات بعيدة تستشرف منها تبدلات في حسابات القوة والتسلح، وفي مثل حالة العراق، فان الخطر صار ماثلا على وحدته الترابية ومصالحه الحيوية وهو يواجه تحديات خطيرة في زمان واحد وكل هذه التحديات مصيرية ومفصلية تحتاج من النخبة السياسية والمؤسسات العلمية والقوى السياسية والاجتماعية اجماعا وتوافقا على طريقة الرد على هذه التحديات وسبل تقليص المخاطر الى حدود محتملة ومعقولة.
لقد كان الرد العراقي ناجحا ومبهرا على التحدي الاخطر الذي الذي واجهه العراق والذي تمثل باعلان دولة خلافة دينية على اجزاء واسعة من اراضيه وضمن نطاق بشري كبير من سكانه ومواطنيه، وقد استرجع العراقيون اغلب اراضيهم وحرروا مواطنيهم من اكبر هجمة بربرية في العصر الحديث ذكرت المسلمين بما كان يحدث في تاريخهم من تداول عنيف للسلطات وقيام دعوات دينية تنتهي بتحولها الى دول تستمد شرعيتها من الغلبة ومنطق القوة والسيف.
التحدي الجديد الذي يواجه العراق هو توجه غالبية قومية من سكانه ومواطنيه للانسلاخ عنه وتاسيس دولة تقتطع من مساحته وتغير حدوده وتقسم مجتمعه وتعزل مكوناته وتستاثر بجزء من ثرواته وتوجه له خطابا تهديديا وتعرض امنه الاقتصادي والسياسي لخطر كبير. قد يعتذر عن ذلك بحجج عديدة منها حق تقرير المصير وتصحيح اخطاء تاريخية وانصاف قوميات وشعوب ظلمتها مصالح القوى المتحكمة بالنظام الدولي القديم والحديث والمعاصر ،لكن واقع الحال يشير الى ان العراق معرض لخطر شديد امنيا وعسكريا وجغرافيا وعليه ان يدير الازمة الجديدة باقل التضحيات والكلف والمخاطر، وان يضمن مصالحه ويبعد التهديدات عنه لعقدين او ثلاث من العقود القادمة.
سنكون في مرحلة تحسب فيها الخيارات بدقة علمية ووضوح سياسي وامني عالي المستوى بحيث لاتعلق الضمانات على تعهدات دول في الاقليم او خارجه ولا على تصرف دول تنطلق من خصوصيات امنها القومي ومصالحها الذاتية، اذا كان ثمة قدرة على الرد الجماعي على التهديد المحتمل فذلك لن يكون اكثر اهمية من الاستراتيجية الامنية والدفاعية الذاتية سيكتشف العراقيون ان عراقهم الذي عرفته اجيال الدولة الوطنية التي تاسست عام ١٩٢١ لم يعد يقوى على البقاء بحدود سايكس بيكو ولا معاهدة لوزان وعليهم ان يعدوا العدة لمعاهدة جديدة تضمن لهم امنهم القومي ومصالحهم البعيدة لمائة عام او اكثر قبل ان يعترفوا بالواقع الجديد.