لم تكن مفاجأة المتحمسين لاستقلال اقليم كردستان اقل من مفاجاة الكثيرين خارجه وهم يرون الموقف الدولي الرافض لاي تعديل او مساس بوحدة الاراضي
لم تكن مفاجأة المتحمسين لاستقلال اقليم كردستان اقل من مفاجاة الكثيرين خارجه وهم يرون الموقف الدولي الرافض لاي تعديل او مساس بوحدة الاراضي العراقية وتحت اي مسمى،فلم تستخدم العواصم الكبرى ولا الدبلوماسيين ولا مسؤولي الامم المتحدة وبضمنهم ممثل الامين العام في بغداد يان كوبيتش ولا مراكز الابحاث والدراسات جميعها، اي ذريعة لتسويغ فكرة القبول بانفصال كردستان العراقية عن الدولة، ولم نسمع احتجاجا ضد الاجماع الدولي ينتصر لصالح مقولة الاستقلال تحت مسمى حق تقرير المصير او حق الكرد في تاسيس دولة قومية على غرار الدول القومية القائمة ،المثير في الامر ان المسؤولين الكرد من دعاة الاستقلال جوبهوا بردة فعل واضحة وصريحة تدعوهم الى الاحتكام الى الدستور العراقي والحوار مع السلطة المركزية في بغداد والخضوع لاملاءات الدستور وتصحيح العلاقة بين المركز والاقليم بلا افتئات لجهة على حقوق الجهة الثانية مع علوية قرارات المركز باعتبارها متعلقة بالمصلحة العامة والسيادة والامن والدفاع عن البلاد .
هل كانت النصائح والاستشارات في غير محلها؟ ام ان اربيل لم تحسب حسابا لحدود الطموحات المشروعة تحت سقف الدستور العراقي وليس فوقه؟
لقد اكتشف الجميع في العراق ان الدستور ينبغي ان يكون الناظم الحاسم لحركة التشريع وانفاذ القوانين وصيانة هيبة الدولة وضمان حقوق الجماعات والافراد وكل حراك خارج الدستور يكون بمثابة خروقات خطيرة ينبغي ان يرد عليها بصرامة القوانين واللوائح والصلاحيات التي يضمنها الدستور وبالمقارنة مع اجراءات الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث، حيال الازمة التي سببها استفتاء كردستان كان واضحا صحة الاجراءات القانونية والدستورية وسلامة موقف الحكومة وقراراتها ومشروعية السياسات المتخذة والتي كان سقفها وقاعدتها الدستور مما ولد ارتياحا عاما في الشارع العراقي نخبا وجماهير وارتياحا خارج العراق لدى الدول المختلفة لاقتناعها بان التصرف وفق الدستورهو الذي يضمن متانة السياسات وقوتها ومشروعيتها ومقبوليتها وبالتالي لامناص من انفاذ القوانين والامتثال لها بقوة السلطة التي تستمد مشروعيتها من الدستور وقد تبين بوضوح ان الاقليم الذي يضيق ذرعا بهذا الدستور رغم ان له اليد العليا في صياغة بنوده ويريد التصرف خارجه انما كان متجاوزا لسلطاته وحقوقه وانه كان يفرض سياسات ومواقف زادت عن المسموح به دستوريا وبالتالي توجب العودة عن كل هذه التجاوزات لمصلحة استقرار هيبة الدولة الاتحادية واحترام سلطاتها وقوانينها ودستورها النافذ الضامن للشرعية .
لقد جاء استفتاء الاقليم غير الدستوري ليحرك مياها راكدة ظلت اسنة لسنين كان الاقليم وغيره ياكل من جرف سلطات الدولة الاتحادية ويتجاوز على حقوقها ويعامل نفسه معاملة الدولة المتحدة كونفدراليا مع (العراق)، وقد مثل هذا الامر الواقع تحديا كبيرا اضعف سلطة الدولة ومنح احزابا وتيارات وقوى سياسية واجتماعية الجرأة على تجاوز القوانين والصلاحيات والدوس على مضمون الحقوق الدستورية.
واسس لشرعية القوة داخل الدولة ،فمن كان قويا بالسلاح او بالاعلام او بالامتدادات الاقليمية او القدرة على تحدي سلطات الدولة ،فانه يتصرف بما يريد وكيفما يهوى ويبقى الامر معلقا على طريقة ردات فعل السلطة الاتحادية ودرجة تقييمها لخطورة الامر من عدمه حتى تراكمت التجاوزات وصارت منشأ لحقوق مدعاة حتى بلغ الامر بالبعض انه صار يستهين بالمؤسسات والسلطات ولا يجد رادعا بقوة القانون وشرعية الدستور باعتباره العقد الاجتماعي والسياسي الناظم لحقوق الناس والسلطات ،وكلما تراخت الدولة في الدفاع عن حدود سلطاتها (ولو على مستوى ازالة تجاوز على رصيف او انتزاع ارض استولى عليها مغامرون بقوة النفوذ والسلاح).
فان الفوضى وضياع هيبة الدولة هي النتيجة الماثلة ،وبالعودة الى الحزم في انفاذ القانون والتصرف وفق مضمون الدستور وروح القوانين السائدة تكون الدولة قد غادرت رخاوتها واستعادت قوتها ودافعت عن سلطاتها واثبتت لشعبها انها قادرة على ممارسة صلاحيتها وحقوقها وانها لاتريد الاجحاف بحق مواطن او مكون او جماعة او اقلية او تيار انما على الجميع الاحتكام الى الدستور وفي حالة الاختلاف يتم الرجوع الى المحكمة الاتحادية (الدستورية) فهل نشهد ولادة دولة دستورية عادلة ام؟ لازال البعض يضيق بعدالة الدستور ليوسع من دائرة حقوقه المتخيلة ويمارس ظلم الاخرين خلافا للدستور؟.
ستعود للدولة هيبتها وستؤدي وظائفها بنجاح وتنال مقبولية ومشروعية راسخة كلما دافعت عن سلطاتها الدستورية واحترمت حقها ومنعت اي تصرف يتجاوز الحقوق المنصوص عليها وسيكون ذلك كفيلا بدعم الشعب ومؤسساته لها كما ظهر بوضوح في موقف المرجعية الدينية العليا من امر الاستفتاء وعندها لن يكون بوسع احد التمدد على حساب الدولة اقليما كان أوفئة أوجماعة أوعصابة في الوزارات اوفي الموانئ أوالمنافذ أوالمحافظات والبلديات انها فرصة ودعوة لتغليب ثقافة الانصياع للدستور والعمل به والتقيد بحدوده لتنتهي حالات الفوضى والاستقواء ولنعود دولة تتعلم ثقافة احترام الدستور وتثقف عليه.