رغم الصمت الذي تبديه اربيل الا من بعض ردود الفعل والبيانات التي تصدر ،تبدو القيادات الكردية التي راهنت على مشروع الاستفتاء وارادت منه ان يك
رغم الصمت الذي تبديه اربيل الا من بعض ردود الفعل والبيانات التي تصدر ،تبدو القيادات الكردية التي راهنت على مشروع الاستفتاء وارادت منه ان يكون مرحلة مغايرة لماقبل الاستفتاء في الحراك السياسي والاعلامي والعلاقات الخارجية تبدو هذه القيادات مضطرة لدخول عملية تقويم وقراءة لمجريات القرار الذي حمل الكرد عواقب ماكانوا ينتظرونها وعواقب لم يحسبونها وتداعيات هم في غنى عنها .
اول الدروس المستخلصة كرديا كان خطأ القراءة للمواقف الدولية والاقليمية والمبالغة في التقييم الايجابي للعلاقات التي نسجها الكرد مع مراكز القوى والدول الفاعلة والمحورية التي يمكن ان تكون مواقفها لصالح المشروع الاستقلالي الكردي .
فمشروع كبير وخطير في حجم تداعياته السياسية والامنية والاقتصادية سيغير من حدود ومجالات الامن القومي لدول وامم في المنطقة ماكان ليمر بسهولة اعتمادا على فرضية حق الشعوب في تقرير مصيرها ،وحلا لقضية قومية مضى عليها مائة عام الحسابات العميقة تخفي صرامة مواقف تختلف عن لغة المصالح اليومية والخطاب الدبلوماسي المعتاد والا لوكان الامر كما توهمه بعض المستشارين المتعجلين او بعض صناع السياسات المغامرين لمر مشروع الاستفتاء بغير ماحصل من مواقف وردود فعل تصل الى حد التهديد بالحرب والحصار الاقتصادي والمالي وخنق الاقليم بما يجعل من خطوته الطموحة ترتد ندما واختلافا وتصارعا .
ان الاستقلال قبل ان يكون طموحا واستعدادا وتضحيات وارادة قوية فانه قراءة واعية للممكنات والممنوعات في العلاقات والمواقف الدولية ،وقد بدا فيما حصل من مواقف لحد اللحظة الراهنة ان المحيط الدولي والاقليمي غير مستعد لقبول فكرة الدولة الكردية مهما جهد مسوقوها في التعريف باهميتها للغرب وانها معالجة لخطأ غربي سابق وضرورة استراتيجية لما تراه بعض العواصم ومراكز الابحاث النافذه لصورة وشكل هذه المنطقة من العالم بعد ربع قرن من الان.
الدرس الثاني عراقيا، كان ضياع نصف قرن من العلاقات الوطيدة بين الزعامات الكردية وبين القوى والفاعليات السياسية والدينية الشيعية العراقية والتي مثلت حجر الزاوية لمشروع التغيير السياسي في العراق ،وقد كان النضال والعمل المشترك والمبادئ العامة التي حكمت تاريخ العلاقات بين الجانبين بمثابة رؤية راسخة وطدت ثقة لم تعصف بها الاضطرابات والتقلبات التي مرت بها مواقف الجانبين ،لكنها الان في طريقها الى ان تكون جزءا من الماضي فاذا كان موقف مرجعية النجف الدينية هي من اسس لهذه العلاقات المتميزة ،فان بعض القادة الكرد لم يعد مهتما لموقف ذات المرجعية ،بل ثمة تعريض رسمي بهذا الموقف من خلال الردود التي تصدر من الواجهات الدينية الكردستانية والتي كان اخرها بيان وزارة اوقاف كردستان ردا على موقف مشيخة الازهر ،فقد حوى البيان تحريضا طائفيا وتعريضا لالزوم له لو لم تكن النفوس غارقة في منطق الاستعداء والذهاب في الخصومة الى تخوم الاصطفاف الطائفي وتذكير الاخرين بان الكرد سنة ينتمون الى الجانب الاخر في المعادلة الطائفية المتوترة حاليا.
هناك ايادي في كردستان تبدو مستعدة لسوق العلاقات بين الشيعة والكرد الى حد القطيعة وحرق تاريخ مهم من علاقات الطوائف والشعوب والمذاهب في هذه المنطقة التي يعيش عقلها في الماضي وتزعم انها تخطط للمستقبل.
الدرس الثالث متعلق بالدرس الثاني ايضا ،فالمشكلة الطائفية تبدو اعمق مما يحاول البعض ان يعبر عليها فلا التحالفات الاستراتيجية ولا التفاهمات والمصالح المشتركة قادرة على محو ذاكرة مثقلة بحس الانتماء الطائفي والذي يذكر الاخرين بمشكلة الهوية وتفرعاتها ،فعمر الهوية الوطنية العراقية اقصر مدى واضعف من كل الصياغات التي حاولت ان تبرزه للوجود انتماءا للجغرافيا تارة ولتاريخ مشترك قريب تارة اخرى متوسلة ادوات القهر والعنف والقسر والاقناع تارة ثالثة،على منظري الهوية الوطنية ان يفككوا الغاز التنافرات القومية والمذهبية وحضور التاريخ الثقيل والتراث الصلد الحاكم على عقول وثقافة الاجيال الراهنة ،ثم ليقدموا لها وصفة سحرية مقنعة تجعل من الهوية الوطنية ذالك الساحر الخلاب الذي يجمع الناس ولايفرقهم ،ويقنعهم بالعيش المشترك في هذه البقعة من الارض ليحققوا مصالحهم وذواتهم ويبنوا مستقبلهم بلا تغالب ولاتصارع مدمر ولابحث مستمر عن التمايزات والافتراقات العرقية والقومية والدينية.
من قرأ بيان اتحاد القوى (السني) وبعض الفاعليات السياسية والاكاديمية السنية بشأن الاستفتاء وموقف الحكومة المركزية سيتاكد ان مفاهيم المشاركة والمسؤولية التضامنية والتمثيل المتوازن في السلطات لم تقنع الاخرين بتحمل مسؤوليته التاريخية حيال الدولة العراقية، فمصالح الطائفة وبراغماتية المواقف والتنصل من التراث القومي والسياسي القريب هي اوضح سمات هذا الخطاب، بل ذهب البعض الى المقارنة بين دولة عربية اللسان باكثرية شيعية ودولة كردية قومية بمذهب سني ليختار الثانية.
ترى هل نضج العراقيون لمقولة النظام الديمقراطي التمثيلي بمنطق الاكثرية والاقلية ويكرسوا جهودهم للحكم الرشيد الذي يضمن كرامة ومصالح الانسان؟ قبل ان يضحي بكل شئ من اجل الحقوق السياسية فاذا به يخسر الحقوق الطبيعية والسياسية من اجل طوبى دولة الطائفة او دولة القومية التي تجاوزها عصر العولمة!!
فمتى نفارق منطق الايديولوجيا لصالح منطق العقلانيات؟ انها دعوة مفتوحة للنخب.