نحن أبناء العراق في الوسط والجنوب كنا كما كان معظم العراقيين وقودا لأزمات وحروب صنعتها مصالح الحكام وصراعاتهم السياسية وقراراتهم المرتجلة
نحن أبناء العراق في الوسط والجنوب كنا كما كان معظم العراقيين وقودا لأزمات وحروب صنعتها مصالح الحكام وصراعاتهم السياسية وقراراتهم المرتجلة، ولن تجد عائلة عراقية في هذه المناطق قبل سقوط صدام حسين ونظام حكمه البغيض إلا وخسرت أحد احبتها أو معظمهم في حروب النظام او زنزانات سجونه الظالمة، وقد تمادى الحكام باتباع كل وسيلة لاهانة مقدساتنا والتضييق على حرياتنا ونهب ثرواتنا، فكنا نعيش على كنوز الله العظيمة ولكن تذهب الى جيوب الظالمين والفاسدين.
اخواني الاعزاء، يامن تجمعنا معكم حتى هذه اللحظة الهوية الواحدة والأرض الواحدة وتاريخ المعاناة الطويل، ان الحكام الظالمين اوصلوا معظمنا إلى درجة من القسوة والحرمان ان كنا نفضل أن يحكمنا اي كان من اي مكان في العالم سواء كان مسلما او غير مسلم بشرط أن يكون عادلا رحيما يضع حد لمعاناة آبائنا وأمهاتنا وشبابنا واطفالنا ويوفر لهم المستقبل الأفضل. لذا لا تستغربوا ان وجدتم من يبتهج بسقوط الطاغية على يد أمريكا، فتلك اللحظة ايقظت فينا الأمل لغد أفضل، لاسيما اننا بدأنا نرى شخصيات كنا نعدها مناضلة حاربت الاستبداد باسم الحرية والدين والعدالة قد صعدت الى سدة السلطة وبدأت تحكم العراق وتعد بما هو خير للعراق وشعبه.
في تلك اللحظة كان العراق يدخل مرحلة تأسيسية جديدة من تاريخه الحديث وكان بأمكان قادة العراق من جميع المكونات ان يختاروا الطريق الذي يجدوه مناسبا لتطلعات أتباعهم ومكوناتهم، فالرأي رأيهم والشعب ترك الأمر لهم، وليس أدل على قبول الشعب هذا إلا أنه لم يعترض على تحويل العراق من دولة بسيطة إلى دولة فيدرالية.
اقول ان تلك اللحظة كانت فارقة في تاريخ الجميع قادة واتباع وعامة الشعب، فالكل كان يبحث عن الأمل بغد أفضل، وكان الأجدر بالقادة الكورد ان كانوا يرون أن حقهم ونتاج نضالهم الطويل يجب أن ينتهي باستفتاء تقرير المصير والانفصال عن العراق ان يصروا على موقفهم هذا ولا يكونوا جزء من عملية سياسية تبنى على دستور جديد وعقد اجتماعي جديد للشعب العراقي بكافة مكوناته، وربما لو اصروا على هذا المطلب لكنا متفهمين لموقفهم فالانفال وحلبجة وغيرها تشفع لهم، وسطوة الدكتاتورية البغيضة تبرر مطلبهم ولتجنبنا الخوض في عملية سياسية استمرت اكثر من ١٤ سنة مليئة بكل ما لا يسر الشرفاء من مآسي وويلات وخذلان للشعب من قبل قادته.
خلال هذه المدة الطويلة من عمر العملية السياسية كنا نرى نحن أبناء الوسط والجنوب ان ارضنا تنتج اكثر من ٩٠ % من ثروة العراق القومية ولكن هذه الثروة توزع حسب الدستورعلى المكونات حسب النسب السكانية، ولكم ان تتصوروا ان هناك محافظات واسعة المساحة ولكن قليلة السكان لم تكن تحصل على ما كان يحصل عليه أبناء محافظات أخرى كالانبار ونينوى وغيرها، بل إن البصرة خزان ثروة العراق كان المواطن فيها يعيش في بنية تحتية مهدمة بالكامل ولم تبرز مطالبات البترودولار إلا كنتيجة لهذا الشعور بالغبن علما انه لم يطبق بشكل تام، ومع ذلك كنا نتحمل ذلك لأننا كنا نقول نحن عراق واحد ويجب أن تكون قرارات حكومة بغداد نافذة على الجميع.
وبعد سقوط ما يقارب ستة محافظات بيد داعش الإرهابي نتيجة لإخطاء كارثية في الادارة والحكم ارتكبها شركاء العملية السياسية جميعا وبدون استثناء فأن المناطق المحتلة من قبل داعش لم تكن مناطق تخص أبناء الوسط والجنوب، ومع ذلك وبعد انكسار الجيش الوطني العراقي الذي كانت قياداته شيعية وسنية وكوردية وبعد إعلان فتوى الجهاد من قبل مرجعية النجف لحماية العراق هب أبناء الوسط والجنوب لا لحماية مناطقهم بل لحماية العراق بكل أطيافه ومكوناته.
وبعد اكثر من ثلاث سنوات على محاربة داعش فأن اي منكم اذا اراد ان يقوم بجولة في كل محافظات الوسط والجنوب فإنه لن يجد عمودا من أعمدة الكهرباء في الشوارع إلا وعليه صورة لشهيد من أبناء هذه المناطق سقط وهدفه تحرير العراق من داعش وحماية وحدته، وقد قامت كل العوائل على بساطة وفقر معظمها بعد أن ضحت بأبنائها بالمشاركة بحملات التبرع بالمال والزاد والدواء لدعم المجهود الحربي للدولة في وقت كانت إمكاناتها محدودة والكثير من عوائل ولاة الأمور تعيش متنعمة خارج العراق.
اقول مرة أخرى اذا كان القادة في الإقليم او في المناطق المحتلة من داعش كانوا يرون أن مصالحهم ومصالح مكوناتهم تكمن في تمزيق وحدة العراق فلماذا لم تعلن انفصالها في عام ٢٠١٤ ؟ ولماذا خدعت الملايين من العراقيين بالوحدة العراقية وجعلتهم يقدموا عشرات آلاف من خيرة احبابهم على مذبح الوحدة العراقية؟
السيدات والسادة، لقد زرت الإقليم اكثر من مرة منذ عام ٢٠٠٣ والتقيت بقادة من الإقليم كما التقيت بالناس البسطاء فوجدت أن مشكلتكم لم تكن نابعة من كونكم عراقيين، بل هي حالها كحال مشكلة معظم العراقيين نابعة من سوء القيادة، والظلم في توزيع السلطة والثروة، ففي الوقت الذي كان بعض المسؤولين او أبنائهم والمحسوبين عليهم يشتري البدلة الرسمية ب١٦٠ الف دولار كان هناك مواطن كوردي تطحن عظامه دوامة الفقر والخوف وفقدان الامل، وكان الكثير يشعر بالخوف المتنامي من سلطة دكتاتورية حاربت الرأي الآخر ومنعت حرية الرأي لدرجة ان الكثير فقدوا حياتهم لكلمة كتبها او قالها منتقدا لوضعه، بل إن أحد القيادات الكوردية التي اقدرها كثيرا عندما سألته عن حال الإقليم اليوم في وقته قال: حالنا كحالكم عندما كنتم تحت حكم صدام حسين، وكان دستور الإقليم معطل وبعض نوابه منعوا من دخول الإقليم وبعضهم الآخر منعوا من دخول برلمان الإقليم ولم تكن هناك رقابة على الموارد المالية وعلى حسابات المسؤولين ،وفي الوقت الذي كان البزنس مال للمسؤولين يزدهر بصورة واضحة كان الشعب يتدهور ويزداد فقرا .
ان هذا الحال كما قلت هي كان حال معظم العراقيين، ولم تكن نابعة من كوننا عراقيين بل نابعة من كون قادتنا او بعضهم لم يحملوا المسؤولية بأمانة، وكان المنتظر منكم كنواب تمثلون الشعب في الإقليم وبقية مناطق العراق ان تتصدوا بقوة لهذا الانحراف في القيادة ، وأن تعملوا على نجاح الديمقراطية في العراق وتثبيت ركائزها كما عملت به الدول المحترمة في العوالم المتقدمة وكما نصت عليه بنود الدستور العراقي الذي صوت عليه الشعب نصا وروحا، ولكن للأسف لم يحصل هذا، وتحمل الشعب اخطاء قادة ما بعد ٢٠٠٣ بكل مآسيها وفقد كل شيء تقريبا إلا شيء واحد وهو وحدة العراق وكان معظم ما يقال هنا هو اننا نتحمل ذلك حرصا على منع تقسيم بلدنا.
لا يحق للقيادة في الإقليم ولا في بغداد، بل ولا لأي قيادة دينية أو اجتماعية أو سياسية بعد التضحيات الجسيمة التي تحملها الشعب عموما والشعب في الوسط والجنوب ان تأتي اليوم لتتكلم عن تقسيم العراق والمطالبة بحق تقرير المصير وما شابه، فانحراف القيادات وفشلها لا ينسحب على سيادة ووحدة العراق، فإننا نرى سيناريو التقسيم مجرد مشروع سياسي لقيادات فاشلة لم تستطع احترام شعبها ولم توفر له أسباب العيش الكريم، وهي تريد إعادة إنتاج نفسها من خلال مشاريع أخرى يعرف كل العقلاء انها ستفتح الباب لفتن وحروب جديدة لا تنتهي، ولتدخلات إقليمية ودولية تكون على حساب مصلحة العراق وشعبه.
ان ما ترونه من مواقف للحكومة الاتحادية تعتقدونها حازمة ضد مشروع تقسيم العراق ما هي إلا شيء يسير من تلك الإرادة الرافضة للشعب في الوسط والجنوب ولو أتيح لمشاعر الناس ان تنعكس بشكل قرارات حكومية لوجدتم اشياء لم تكن على بال أحد ابدا ولادركتم معنى الحزم الحقيقي، إذ اننا لا نقبل أن نخدع مرتين: مرة باسم وحدة العراق، وأخرى باسم حقوق المكونات، فأما أن تساعدوا الشعب وانتم ممثلوه في بناء عراق ديمقراطي حر يعيش أبنائه بكرامة اقتصادية وسياسية واجتماعية تحفظ وحدته وسيادته او تعلنوا الفشل وتفسحوا المجال لقيادات أخرى ربما تكون افضل منكم واكثر كفاءة لتحقيق هذا الهدف. لذا ادعوكم مخلصا ان تراجعوا موقفكم وتعرفوا اين مكامن الخلل وانتم اهل الحل والعقد، وانتم غير معذورين ابدا عن المواقف الخاطئة التي تتخذونها.
اخيرا، اقول للجميع عاش العراق حرا شامخا بكورده وعربه وسنته وشيعته وتركمانه وكلدواشوريه وصابئته ومسيحييه، والعار كل العار لقيادات سياسية وبرلمانية فاشلة لا تعرف كيف تقود بلادها نحو العز والتقدم.