قدم العراق عبر رئيس وزرائه مشروعا للامن يقوم على فكرة انصراف دول المنطقة للتعاون الاقتصادي والامني والاهتمام بقضايا الشباب والبحث عن حلول سلمية للمشكلات القائمة .
فكرة المشروع تحتاج الى دفع قوي وتحرك دبلوماسي يستطيع العراق القيام به في هذه المرحلة شريطة ان يقدم سيناريوهات قابلة للتفاوض لاكثر من ازمة محتدمة ،منطلقات الامن الاقليمي المتعارضة بين دول المنطقة تحتاج الى تصنيف للتحديات والمخاطر ،فماتراه السعودية يهدد امنها غير ماتراه ايران ،وماتخشى منه تركيا في المدى القريب والمنظور ليس هو اولوية عربية ،كما ان استمرار الحروب المتنقلة في سوريا والانخراط الامريكي الروسي فيها ،جعل التخطيط الاستراتيجي للامن الاقليمي غير محصور بحكومات ودول الاقليم بسبب الانقسام العمودي والافقي بين الشعوب نفسها وبين الانظمة الحاكمة فيما بينها ،ويظل العامل الاسرائيلي هو العنصر الاكثر توظيفا واستفادة مما حصل من متغيرات وتطورات على خلفية انطلاق المشروع الارهابي التكفيري ،وتصدع دول كبيرة كمصر والعراق وتحول ساحات اخرى لحقل تجارب حروب النيابة كما هو حال سوريا واليمن .
الاقليم محتدم ومتخم بالمشاكل واحتمالات التصعيد واردة مع مراوحة حرب اليمن في مكانها واحتمالات التصعيد الامريكي-الاسرائيلي ضد ايران ،والمخاوف من انخراط قوى غير نظامية في حروب المحاور الاقليمية .
حتى يمكن توفير بيئة مناسبة للاعمار في العراق ،تحتاج الدبلوماسية العراقية ان تنشط لجهة التعاطي مع الازمات الكبرى بروح الوسيط القادر على تقديم حلول عملية تكون مقدمة لتنازلات متبادلة بين المحاور المتصارعة.
السعودية تدفع باتجاه تحقيق مكسب استراتيجي في اليمن للخلاص من حرب استنزاف تتهم فيها ايران بالمسؤولية عن استمرار صمود الحوثيين ،واسرائيل والولايات المتحدة تريدان حلا للازمة السورية يجرد ايران وحلفائها من اي مكاسب استراتيجية فيها ،فيما تبدو تركيا وكانها تصارع طواحين هواء على طول حدودها الجنوبية بعدما اكتشفت ان حليفتها الولايات المتحدة لديها مشروعها السري لاعادة ترسيم حدود الاثنيات والاقليات عبر المختبر السوري .
هناك اشتباك معقد وعوامل ومتغيرات كثيرة متحركة ،والمنطقة مقبلة على اشكال من الصراعات ان لم يتم تبويبها وتحديد اولوياتها او على الاقل تحديد اولويات كل دولة في منظوراتها للتهديدات القائمة والتحديات التي تراها الاخطر والاكبر .
اسرائيل لم تعد تهديدا للغالبية العظمى من الدول العربية والقضية الفلسطينية صارت في المرتبة الاخيرة ،وللدلالة على عمق وحجم التغيرات ،ان حريق المسجد الاقصى عام 1969 استدعى تحركا عربيا واسلاميا افضى لتاسيس منظمة الموتمر الاسلامي (اصبحت التعاون حاليا) فيما جاء الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لاسرائيل ليمر مرور الكرام جعل المندوبة الامريكية في الامم المتحدة نيكي هايلي تستخف بالجميع قائلة :ان السماء لم تسقط على الارض . هذا يعني ان امريكا واسرائيل باتتا مطمئنتين الى ان الاولوية العربية غدت كما في عام 1980 هي ايران والخطر الايراني ،واذا استمر الاندفاع العربي بقيادة السعودية باتجاه جعل ايران هي العدو الاول ،فمعنى ذلك ان شبح الحروب المذهبية والطائفية سيكون هو عنوان صراعات المنطقة القادمة ،وهو ماتم عبوره ظاهريا خلال السنوات الماضية لكنه سيكون صريحا ودون مواربة هذه المرة، فايران الشيعية ستكون في مواجهة مع المحور السعودي السني ،وهذا هو اخطر سيناريو محتمل باتت قوى عديدة تدفع باتجاهه دونما تحرك مضاد لتخفيف مفاعيله.
العراق المعني بالمعادلات الطائفية ومخاطرها يدرك اهمية التحرك الفعال لتجريد الصراعات السياسية من حمولاتها الطائفية والدينية ،صحيح ان دول المنطقة لم تنته من تاسيس نفسها على قاعدة التصالح مع ذواتها ،لكن حربا مذهبية ستكون بوابة جهنم تاكل اخضر المنطقة ويابسها ،ولذلك من الضروري الذهاب الى سلام بارد بين الاقطاب قبل تجريب الحروب الساخنة ثم العودة الى التفاوض بين قوى لارابح بينها ،العراق يمكنه العمل لتفادي هذه الاحتمالات المفزعة.