كثير من الندوات والدراسات والمؤتمرات حول مرحلة ما بعد داعش في العراق. الحديث فيها يتركز على موضوع منع عودة داعش جديدة، بدءاً من منع عودة الحواضن لهذه المنظمات الإرهابية.
يطرح البعض فكرة المواجهة الفكرية- الدينية لتفنيد الأسس التي يقوم عليها الفكر الإرهابي الذي تقوم عليه هذه الجماعات. هذا الكلام منطقي جدا لكنه يمثل جزءاً من الحلّ وليس كله، وفي هذا السبيل نحتاج الى عمل واسع لا يشمل فقط خبراء في الدين الإسلامي يوجهون الكلام المباشر. نحتاج الى إشاعة ثقافة الحياة والبناء والامل وقبول الاخر مقابل ثقافة الموت والدمار والقتل والتكفير التي تعتمدها
هذه الجماعات.
معالجة الحواضن ومنع عودتها يحتاجان الى برنامج اقتصادي واسع. أغلب المنتمين الى هذه الجماعات لم يكونوا ليفعلوا ذلك لو كانت لديهم فرص عمل توفر لهم حياة كريمة. لم يكونوا لينجرّوا وراء من يريد سلب حياتهم ورفاهيتهم إن كانت متوفرة، أما في غيابها فان الطريق متاح أمام الالاف ليحصلوا على مال و"سبايا" توفرها لهم هذه العصابات.
نحتاج الى الاستثمار في الرياضة، عبر توفير مراكز رياضية في كل المناطق لاستقطاب الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو نشاطات نافعة تصقل عقولهم وأجسامهم. بموازاة ذلك، نحتاج الى الاستثمار في الفن والثقافة. وجود مراكز ثقافية منتشرة في كل المناطق توفر فرص تفجير الابداعات الكامنة عند الشباب، سيحول ذلك دون استغلالهم من قبل الإرهابيين، فأينما انتشر الفكر والفن اندحر العنف، وتهذّبت النفوس ورقّت ورفضت التطرف.
هكذا فان الاستثمار في الثقافة والرياضة والفن، ضمان لمنع تفشي الإرهاب ودفع للبلاد باتجاه البناء والتطور بكلف مادية أقل بكثير من تلك التي تُنفق في محاربة الإرهاب عسكرياً وأمنياً.
في المواجهة العسكرية قد نربح الحرب لكن الكُلف باهظة، فإلى جانب كُلف الحرب المادية المباشرة، هناك كُلف الدمار الناتج عن الحرب، والدمار هنا يشمل البشر والحجر، وهذا كله يحتاج الى إعادة بناء بكلف عالية، ناهيك عن الخسائر في الأرواح التي لا تقدر بثمن مادي، وما يخلّفه ذلك من أيتام وأرامل ومشاكل اجتماعية لا حصر لها. كل هذا، يفوق بأضعاف المرّات كُلف منع ظهور أو دخول الإرهاب الى مجتمعاتنا لو استثمرنا في الانسان لبنائه وتحصينه.
هذه الاجراءات تمنع دخول العصابات الإرهابية وانتشارها، لكنها تظل عقيمة ما لم تشفع بسياسة خارجية حكيمة.
كلنا نعرف أن الإرهاب صناعة مخابراتية، للتدخل والضغط على الدول. داعش مثالها الاوضح والاقرب، فقد جرى إدخالها الى العراق بعد توفير ظروف داخلية لها. وتجنّب عودتها يحتاج الى إدارة حكيمة لعلاقاتنا الخارجية خصوصاً مع الدول صاحبة التأثير في الساحة العراقية.
هكذا تتكامل السياستان الداخلية والخارجية ونتجنب المزيد من المآسي .