منذ التغيير وحمى الصراع على كرسي رئاسة الوزراء هي الصداع الاكبر في عالم السياسة العراقية،فبعد كل انتخابات يتوقف العقل السياسي الا عن التفكير في كيفية الوصول الى هذا المقعد الاثير ،لم نر تعففا ولازهدا الا القليل النادر ،وكل الجهود والمفاوضات والالاعيب والصفقات تحضر مرة واحدة للظفر بهذا المنصب العزيز ،لكن لماذا؟، لن نحكم على النوايا ولانريد سلب المتحمسين والطامحين حقهم في التقاتل من اجل الفوز بالسباق السلطوي،فتلك هي سنة السياسة وطبيعة البشر ونوازع السلوك السياسي،كان الناس فيما سبق يلجأوون الى شتى الاساليب لبلوغ هذا الهدف ،واليوم انحصرت اللعبة بالاليات الديمقراطية فلم يبق غير اساليب الاقناع والضغط والترغيب والترهيب .
في العراق منصب رئاسة الوزراء في هذا الظرف يحتاج لشخص بمواصفات خاصة ،يحتاج الى خبرة العمل وارادة القرار وحكمة التصرف والقدرة الفائقة على ادارة بلد مأزوم لايخرج من ازمة حتى تداهمه ازمة جديدة ، شخص لديه القدرة على ادارة التوازنات الطائفية والعرقية وحتى العشائرية ،ويحظى بمقبولية دولية واقليمية ولديه بصيرة نافذة بالملفات العراقية الشائكة ،ملف الفساد واعادة الاعمار وبناء المدن وحل مشكلة الكهرباء ومعالجة ازمة البطالة وفرض القوانين وتحريك عجلة الانتاج واخراج البلاد من فوضى السلاح والصراعات الاجتماعية والتكالب على السلطة والثروة باساليب متوحشة ،ثم اضيفت لنا مشكلة المياه العسيرة فضلا عن الثبات على ماتحقق من منجز امني وعسكري لئلا تنجح عصابات الارهاب في فرض استراتيجية الاستنزاف اليومي التي اتبعتها في مرحلة ماقبل سقوط الموصل .
عشرات العقد والملفات الخطيرة التي تحتاج الى قاعدة توافق وطني كبيرة ودعم سياسي واعلامي اكبر في الداخل والخارج لضمان النجاح النسبي فيها ،انها بالجملة اعادة بناء دولة محطمة ومجتمع هش لم يخرج من الصراعات المتعددة،في ظل مخططات دولية واقليمية ، ضالع فيها سياسيون محليون لابقاء العراق محطة تجارب وحديقة صراعات خلفية وقوة اقتصادية واجتماعية عاجزة ومعطلة.
من ينجح في ادارة كل هذه الملفات ويدير توازنات السياسة والامن والاقتصاد والاعمار والحريات والحقوق دفعة واحدة؟ ،يحتاج العراق الى عبقرية فردية وكاريزما شخصية تقنع الكتل والاحزاب بارجحية فرد ذي رؤية وبرنامج وجداول احصائية وله بصيرة في اختيار من يساعده ويعاونه في هذه المهمة. هل يوجد من بين الطامحين لكرسي رئاسة الوزراء من يمتلك هذه المواصفات ؟بالتاكيد هناك الكثير من يظنون بقدرتهم و باهليتهم لهذه المهمة الشاقة ،لكن الاعتقاد بالاهلية شيئ ،والقدرة على اقناع ذوي الحل والعقد شيئ اخر ، ومابين هذه الطموحات غير العقلانية ،سنظل ندور في حلقة مفرغة حتى ينبلج صبح الكتلة الاكبر ومرشحها لرئاسة الوزراء،وبين هذه وتلك كلما لاحت فرصة في عقد خيوط هذا الكتلة تراجعت الحظوظ مرة اخرى ،لان الصراع على المنصب الاهم ليس صراع برامج وخطط وتجارب ،بل هو صراع شخصي تلاحظ فيه مؤثرات خارجية حاسمة ،فالعراق ساحة تقاطع المصالح بين المحاور الاقليمية والتنافسات الدولية ، لن يترك وشأنه ليختار في تمرين ديمقراطي مسؤوله التنفيذي الاول ،وفي خضم هذا الاحتدام سيظهر جوهر التنافس والصراع بين الكتل حول مدعياتها وبرامجها لحلحلة مشاكل العراق واشكالياته المعقدة ،لقد اختبر الشعب (صدق) النوايا وحرقة قلب السياسيين على العراق عندما انكشف التزوير الفاضح واللهاث على كراسي السلطة والاثراء ،واليوم لاوقت اضافي ليحرق الساسة البلد بمساوماتهم ومفاوضاتهم الماراثونية ،فالامن في خطر والتصدع الاجتماعي يكبر ،والتسيب الاداري والقانوني يزداد ،والحالة الاقتصادية في ركود ،نريد حكومة قوية سريعة التكوين، فلاتهدروا الفرصة في طموحات شخصية . الوقت ينفذ ومصالحكم مضمونة ، فعلام التاخير ،نداء موجه الى الكتل الفائزة المتحالفة ،سائرون ،الفتح ،النصر.