ابراهيم العبادي
رغم الاضطراب الاقليمي الكبير والتهديدات التي تنثال على المنطقة وخصوصا العراق ، تتصاعد التعبئة الجماهيرية ، وينشط الناشطون لاطلاق سلسة تظاهرات صيفية ، تعبر عن احتجاج اجتماعي غاضب على اداء الطبقة السياسية والاجهزة الحكومية ، سيكون نقص الكهرباء المحرض الرئيس كالعادة ، وستكون التظاهرات تجربة اخرى من تجارب الجيل الشبابي العراقي في التأسيس لتقاليد جديدة في الرفض والمعارضة والاصلاح والتغيير .
اختلف العراقيون كثيرا في تحليل ظاهرة الاحتجاج التي تتصاعد كل صيف وتخمد عندما تتحسن الظروف المناخية ، منهم من يخشاها ويتوجس منها امنيا وايديولوجيا ،ومنهم من يراها تظاهرات مطلبية محقة تمثل رأي جمهور عريض ،وهي في ذاتها تمثل رفضا سياسيا يعبر عن نفسه خارج الاحزاب والتيارات والقوى التي استقطبت الشارع في مرحلة سابقة ، بل هي رفض عملي للطبقة السياسية بكل احزابها ورموزها واطيافها ، لكنها افتقرت الى توحيد الجهد والشعارات ولم تتفق اهدافها ، لتغدو ظاهرة جماهيرية عراقية عابرة للمذاهب والطوائف والقوميات تطالب باصلاح سياسي وقانوني ودستوري شامل ، ففي كل محافظة من محافظات العراق ، يسود غضب واعتراض على مايجري سياسيا وتبعا له اداريا وخدميا ، من كردستان مرورا بغرب العراق وبغداد الى وسط وجنوب العراق انتهاء بالبصرة ، هناك الملايين التي تعبر عن غضبها في المقاهي والمنتديات والادارات وفي وسائل الاعلام ، وهذا الاحتجاج اللفظي يجد تعبيراته في كل مكان اعتراضا على سوء ادارة السياسيين لاغلب الملفات ، لكن هذه الملايين لم تطور احتجاجها الى خروج عام في الشوارع ، انما هناك بضع مئات من المتحمسين والذين تعلموا سلوك مسلك الاحتجاج العام ،ينوبون عنهم ، لخشية الملايين من الاندفاعات غير المحسوبة والعنيفة احيانا ،ولقلقهم العميق من استغلال الاحتجاج لغايات يستثمرها اذكياء الساسة والزعامات التي تحسن التناغم مع مطالب الشارع ،غير ذلك فان الاحتجاج العراقي صارت له خصوصيته وهويته المتفردة ،هو لايشبه احتجاجات الجزائريين والسودانيين ، التي صارت قريبة من تحقيق اهدافها ، انما هي احتجاجات موسمية يحركها الشعور بالحرمان النسبي والحق في اداء سياسي وحكومي ناجح ، ينتشل الجمهور من مظالم يشعر بها ،كما هي مظلومية وحرمان جمهور البصرة الذي يعاني من تخلف مدينته وعدم قدرة الادارات الحكومية والمحلية على تنفيذ خطة انقاذ للمدينة من مشاكلها المتراكمة . هل يتعلم العراقيون من التجربة الجزائرية ويحافظوا على سلمية احتجاجهم ويضعوا الساسة امام ساعة الحقيقة ،عبر الاستمرار في الاحتجاج المنظم والمدروس والمتواصل ، ام ان الاحتجاج العراقي سيظل وفيا لانطلاقته وتوقيتاته السنوية ، بالشكل الذي لم يصبح اداة ضغط كبيرة ترغم الساسة على التفكير الجدي في الاستجابة لمطالب الجمهور؟ ،حتى الان لم تتحول التظاهرات الى قضية اولى لدى السياسيين ،بل ان بعضهم يريدها لنفسه للضغط على الجهاز الحكومي البطيء والمترهل ، كما ان البعض الاخر ينتظر قطف ثمارها ، املا في بلوغ منصة الموقع التنفيذي الاول ، او نكاية باطراف سياسية اخرى ، او ردا على هذا الطرف الاقليمي او ذاك ، الحكومة من جهتها تحاول ان تفعل شيئا ، لكنها لم تسلك مسالك غير تقليدية ، وظلت تعمل برؤية وادوات لاتتيح لها تحقيق انجازات كبيرة ، عذرها ان المشاكل متراكمة ومعقدة ،ويستحيل تجاوزها بسهولة ،كما هي قضية الكهرباء والبيروقراطية والفساد وسوء ادارة المال ،بسبب بنية فساد عميقة ،وتغول جماعات وقوى وافراد صاروا دولة عميقة داخل الدولة وعلى حساب البناء الحكومي العام والوظيفة والاهداف المتوقعة من الحكومة وجهازها البيروقراطي .
في ظل هذا الوضع المحبط سيكون متوقعا خروج بضعة الاف الى الشارع كما هي السنوات الماضية ، وستكون القوى الامنية على اهبة الاستعداد لمواجهة الطواريء ، غير ان هذا الحال الذي ينذر بالسوء ، في ظل وضع امني اقليمي خطير ، وتأهب جماعات مسلحة لتصفية حساباتها مع خصومها خلافا لمنطق الدولة وسياساتها وضرورة احتكارها للسلاح والعنف المشروع ،ستكون له عواقب مباشرة وغير مباشرة على الامن والاقتصاد والشركات الاجنبية والمستثمرين ،وسيخسر العراق المزيد من الفرص والزمن الضروري لتدارك عثراته الكثيرة ، لكن هل من امل لتحويل هذا التحدي الى فرصة لتغيير الاداء السياسي والحكومي بما يرضي الشارع ويخفف من التوجه نحو الاحتجاج ؟ الامر كله متوقف على نضج الطبقة السياسية وتقديرها للمخاطر وتنازلها عن مصالحها المتخيلة والموهومة ، غير ذلك فان الاحتجاج العراقي سيتطور على خلاف مايتوقع الساسة وقد ينزلق الى مهاوي غير متوقعة .
*كاتب وعضو ملتقى النبأ للحوار