الذي أدلى به السيد خالد العبيدي وزيرُ الدفاع في جلسة مجلس النواب الشهيرة ليس جديدا، ولايستحق كل هذا الكم من الاثارة والتهويل والتفخيم، ودهش
الذي أدلى به السيد خالد العبيدي وزيرُ الدفاع في جلسة مجلس النواب الشهيرة ليس جديدا، ولايستحق كل هذا الكم من الاثارة والتهويل والتفخيم، ودهشة الكتل السياسية التي تبدو وكأنها للمرة الاولى تكتشف رذيلة المساومات في اروقة الوزارات والمؤسسات العراقية!
فقد شهدت وسائلُ الاعلام وساحاتُ الوغى الوطنية تصريحاتٍ واعترافات وبلاغات لمسؤولين تحت عهد القسم وعقد الوظيفة وعلى الهواء مباشرة، اخطر مما قاله العبيدي بكثير، ليس اقلَها تصريحُ نائب رئيس وزراء في الدولة وبفم مليان بان سياسيا بارزا سرق ثمانمئة مليون دولار من المال العام، وليس اقلّ أقلّها تصريحات لرئيس وزراء الدولة وعلى ذمة لسانه بانه يعرف ارهابيين وقتلة وسرّاقا، ويمتنع عن الادلاء بأسمائهم، أو اعتراف نائب على نفسه بانه تقاضى رشوة! أو موجة التصريحات المستفِزّة من سياسيين بانهم تقاسموا وأغنَوا وسرقوا وقصّروا وفشلوا في ادارة الدولة، ويوم توزيع المناصب تراهم ذائدين عن حياض المحاصصة السياسية اللعينة.
مع كل ذلك وغيره الكثير، (لا شيء يحدث، لا أحد يجيء)، لا قضاء يتحرك، ولا مسؤول يُساءَلْ، ولا مناصبي من هواة المناصب المتعددة أفسدَ وأُبْعِدَ عن منْصِبِه.
ما الذي اذن يجعل من اتهامات العبيدي التي ظلت في حدود (قال لي)، و(لمح لي) و(تحدث لي بالالغاز) وطلب مني وطرح واقترح وتوسط و(فيما لو تم ذلك لكان ماكان)، وهي اتهامات متأخرة من الصعوبة اثباتها قضائيا حتى وإن صحّت، ما الذي يجعل هذه الاتهامات التي سيقت مثل كرة مرتدة على الاستجواب تصيبُ اهدافَها؟، ليخرجَ العبيدي بَطلا قوميا يَسيرُ في شوارع بغداد خارجاً الى جنّة إحتفاء الناس، من جهنم استجواب ممثليهم!
السبب باختصار هو أبعد مما قاله العبيدي، هو حالة التربّص السياسي التي يتخذ وضعها السياسيون للايقاع ببعضهم، تربّص بحاجة الى من يغذيه بتهمة او إشاعة أو دليل حتى وان كان باهتا، التربّصُ الذي أُريد له ان يبعد رياح التغيير الى المنافس والغريم وحتى الحليف، فقد تصاعدت حالة التربّص هذه بموازاة اتساع موجة المظاهرات والرغبة العارمة بالتغيير خلال الأشهر الاخيرة الماضية، التغيير الذي وقف معه حتى الفاسدون والمتورطون من مبدأ (نعمْ لتَغيير غَيري). لذلك يتمسك هؤلاء باي اشارة حتى وان كانت بحاجة الى دليل بائن للمساءلة والحساب.
اللافت في الموضوع، هو تسرع سليم الجبوري، الذي يعرف ان الامور (فالتة) في الدولة العراقية، لا قضاء يَحسم قضية، ولا مسؤول تهتز له شعره، ولا سجن مفتوح للفاسدين، وان السياسيين على خلافاتهم متفقون على ان لا يأتيهم القضاء من بين ايديهم ولا من خلفهم. وبدلا من بلع الموقف وتسويف الاجراءات كما يحصل عادة، الزم نفسه بان لايعود الى كرسي رئاسة المجلس حتى يبرئ نفسه، وينجو من ضربات الجزاء العبيدية، غافلا عن التربص السياسي الذي من الممكن ان يَستثمِرَ غيابه (المؤقت) لإبعاده إبعادا (غير مؤقت).
اخيرا وليس آخرا، المشهد الذي أظهرّ العبيدي ملفوفا بالاستقبال الشعبي في الكاظمية والاعظمية على حد سواء، يؤكد شيئا واحدا لا أخ له.. أن الناس على اختلاف مشاربهم في العراق لم يعد يوحّدهم اليوم أكثر من كلمة الحق، حتى وان كانت غير مجدية، أو قيلت في سياق التربّص السياسي الذي يمثل آخر منتوج بالباكيت في سوق السياسة العراقية.
* كاتب صحفي وباحث مشارك في ملتقى النبأ للحوار
...........................* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية