في العراق اليوم لايوجد شيء سري، فالدولة واضحة جدا، مكشّفة من اولها الى آخرها، أخبارها، وتحالفاتها، وصفقاتها، واعداءها واصدقاءها واعدقاءها
في العراق اليوم لايوجد شيء سري، فالدولة واضحة جدا، مكشّفة من اولها الى آخرها، أخبارها، وتحالفاتها، وصفقاتها، واعداءها واصدقاءها واعدقاءها، وحتى كتبها الرسمية السرية تجدها متوفرة منشورة على الفيس بوك او مواقع الاخبار- نيوز.
هذا هو سبب تعجب الناس من قرار (التصويت سرا) على اقالة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، في الجلسة التي عقدت يوم الخامس والعشرين من آب اغسطس، في سابقة فريدة فعلا، حيث يُشلع يُقلع وزير أخطأ في الاجابة على اسئلة نواب الشعب، فلم تمهله الديمقراطية اسبوعا في منصبه !.
وكما لايخفى على اللبيب، فان السرّي، يقابله العلني، لايوجد شي ثالث الا في تأويل الغمز واللمز، واياك أعني واسمعي ياجارة. والسرّي او السريّة كلمة تفتح الشهية للفضول، ومثل اي مصطلح متحرك، فالسري مرة يعني الخطير، ومرة يعني غير الشرعي، ومرة يعني المستحة، ومرة يعني أمن الوطن، ومرة بالليل يساري وبالنهار اسلامي. ومن ذلك، الهجرة السرية والارصدة السرية والزوجة السرية والمخبر السري وسري للغاية، والمباحثات السرية التي يفاجيء المتباحثون الناس بنتائجها جاهزة بعد ان تشتغل عليهم معامل غسيل المخ وسلق الرأي العام لقبولها. فليس كل سرّي سيئا، كما ليس كلُ علني كذلك.
لكنّ الجماهير العراقية بكل مالديها من خبرة طويلة مع الاقبية والزنزانات الانفرادية والمقابر الجماعية والتهم الكيدية وحكومات التوافق والشراكة والوحدة الوطنية والمقبولية والتكنوقراط ولجان التحقيق البرلمانية والموازنات السنوية، بكل هذه الخبرة لم تستطع فك لغز السرّية التي اقترحوها للتصويت في تلك الجلسة الانتقامية.. واذا ما عجز التحليل العلمي عن معرفة ذلك، قد يتمكن التحليل الخبيث، المكروه، من التوصل دون لف او دوران الى الاسباب والموجبات بسهولة.
فالذي يعرفه اهل العراق جراء العشرة والملح والزاد، ان رؤساء الكتل السياسية في العراق هم اكثر من يعارض التصويت السري، والسبب واضح، كي لايفلت أحدٌ من نوابهم ويصوّت بحرية استنادا الى ضميره وقناعاته، فالتصويت السري يحرر النائب من حبل الكتلة الملفوف على عضويته، وهذا غير مقبول و ليس من مبادئ الأخوّة والانتماء والالتزام.
لماذا اذن اقترحِ رؤساء الكتل بأنفسهم هذه المرة سرية التصويت؟. التحليل (غير العلمي) يرى الموضوع بين مبدأين، اما خجل او نفاق. بعض الكتل السياسية الشاطرة ارادت خلط الاوراق، تعترض كلها او بعض نوابها من على الشاشات وعبر البيانات على اقالة العبيدي، (فالتوقيت غير مناسب) و(نحن في حالة حرب) (ونقترب من تحرير الموصل) وغير ذلك من التبريرات الشجاعة للوقوف ضد الاقالة. ولكي يطير وزير الدفاع بجناحين، فالمعلن جناح والسري جناح آخر. الاول بالتلفزيون: نحن مع بقائك والثاني تعليمات للنواب: صوتوا لإقالته وخلصونه من هذا الملف، هواي ناس اتريده يروح، مابيهه مجال. وهكذا وجد النائب الهمام نفسه، يناصر العبيدي على شاشات الصندوق المعلن، ويصوت لإقالته في الصندوق السري. عاد ليش؟ بس الله يعلم.
* عبد الحميد الصائح كاتب صحفي وباحث مشارك في ملتقى النبأ للحوار ...........................* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية