ان تشكيل اقاليم او وحدات ادارية واتباع نظام اللامركزية الادارية حاليا يبدو معقولا جدا الان لان وضع المكونات الذين كانوا يعيشون في مجتمعات م
ان تشكيل اقاليم او وحدات ادارية واتباع نظام اللامركزية الادارية حاليا يبدو معقولا جدا الان لان وضع المكونات الذين كانوا يعيشون في مجتمعات مختلطة قد تغير الان بعد أكثر من عشر سنوات من القتل الطائفي وسياسات الهوية والانقسامات الطائفية الحادة.
لكن الحديث عن نظام اللامركزية السياسية والادارية يعني الحديث عن تشتيت القوى في الدولة المركزية وهذا غير حاصل ولايمكن ان يحصل بسهولة في العراق في ظل التدخلات الخارجية وهيمنة الزعامات التقليدية بعد ٢٠٠٣ ومحاولة الحصول على نفوذ اوسع.
ولهذا انا اعتقد وبعيدا عن التعاريف والمصطلحات العلمية وغيرها للامركزية والفيدرالية، ان رسم الحدود وتشتيت السلطة سيزيد من اثارة الاحتكاك العرقي وربما الحرب الاهلية وهو ما من شانه زعزعة استقرار المنطقة، اذ ان الاحياء وحتى الكتل الفردية سوف تتحول الى ساحات قتال وهذا سيجر الى تقسيم العراق الى ١٨ اقليم او أكثر وحتى هذه المطالب لن تحول دون الحرب الاهلية.
لايمكن النظر الى المشكلة العراقية كما لو انها كانت قضية ادارية اذ ان الفشل في رؤية مأزق العراق متجذر بعمق الصراع العرقي والطائفي الذي لاحل له لحد الان، اذ ان أحد اوجه القصور الرئيسة في توزيع القوى والصلاحيات لامركزيا: ان الاختلافات على الهيكل الاتحادي العراقي هي حقيقة ان المصدر الرئيس للصراع العرقي -الطائفي هو سعي المجتمعات المختلفة للبحث عن الهوية لذلك فان اللامركزية او الفيدراليات قد لاتقدم حلا سياسيا افضل للعراق.
قد يقال ان الحل هو ثلاثة اقاليم لمواجهة العنف الطائفي بين السنة والشيعة والصراع العربي الكردي وهذا الحل لاينبغي صرف النظر عنه بسرعة، الا ان العيب الرئيسي في هذا الاقتراح هو انه لم يأخذ بالحسبان وضع بغداد وهي المدينة الاكثر اكتظاظا بالسكان متنوعي الاعراق والمذاهب ٢١٪ من مجموع سكان العراق فضلا عن كركوك وديالى وصلاح الدين...
ولهذا متى ماوجدنا ارادة للقوى والمكونات والطوائف بان ترفض منطق اي هيمنة محتملة لها على البقية، وعدم السعي ان تكون هذه القوى او المكونات الى القدرة على فرض اي قرار من جانب واحد على بقية الاطراف والقبول بآليات متوازنة للتفاوض على النتائج، فان هنالك امل ان تتحقق اللامركزية باي صيغة كانت فيدرالية او ادارية او حتى كونفيدرالية بعد تعديل الدستور.
بعد ذلك يجب ان يكون هناك احكام محددة وواضحة ودقيقة لتقاسم السلطة التنفيذية بين السلطات المركزية والوحدات الادارية او المحافظات او الاقاليم حسب شكل السلطة المتفق عليها على ان تحظى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي او اللامركزية بمختلف الاختصاصات المركزية والتنفيذية والصلاحيات المتزامنة، ويمكن لهذا ان يتحقق في السياق العراقي من خلال تعديل او توسيع المواد (١١٠-١١١-١١٥-١١٧) من الدستور العراقي او الاتفاق على تشريع ملحق دستوري لهذا الشأن يعرض للاستفتاء ان لم يتم الاتفاق على التعديل او التوسيع-هذا الامر جائز ولكنه يتطلب اعادة التفاوض على الاحتفاظ ببعض الصلاحيات والاختصاصات الحصرية للحكومة المركزية الحالية بموجب المادة ١١٠، ولاسيما فيما يتعلق بالدفاع والخارجية والمالية واهم مافي ذلك مناقشة قضية الاحتفاظ بقوات دفاع خاصة لكل وحدة ادارية او اقليم وتكون خاضعة للمسؤولين التنفيذيين فيها، ويمكن حل جميع الميليشيات والقوات المساعدة او ان تخضع للولاية الادارية للأقاليم او الوحدات الادارية، وهذا من شانه ان يمنع اي خطر محتمل من قبل امراء الحرب للتوسع في العمليات السياسية والادارية والتسبب بعواقب وخيمة على المدى البعيد.
كما يجب ان يكون هناك توازن بين الاقاليم او الوحدات من حيث توزيع الايرادات والموارد الطبيعية، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال المفاوضات ومن ثم تطبيعها من خلال آليات مؤسساتية دستورية للضوابط والتوازنات، كما يجب المصادقة على قانون جديد لعائدات النفط والغاز في اقرب وقت ممكن بحيث تتم الاستفادة من هذه العائدات للجميع مع الاتفاق ضمن القانون على قضايا التنقيب والاستكشاف المستقبلي وكيفية ادارته والتصدير والانتاج بين الطرف المركزي والاطراف اللامركزية.
كما يجب ان يكون هنالك اطار واضح المعالم لواحدية القضاء واستقلاليته عن سلطات المركز واللامركز وتأثير القوى عليه، وذلك عبر تشكيل محكمة وطنية عليا تضم قضاة من المركز والوحدات الادارية او الاقاليم بالتساوي وحسب الجدارة، ورئاسة هذه المحكمة بالتناوب وحسب الاتفاق او التعديل او الملحق الدستوري المزعم التوصل اليه.
هذه الرؤى حسب وجهة نظري تسهم الى حد ما باستقرار النظام والخلاص من تركة الدم من خلال اضفاء الطابع المؤسساتي الذاتي للتعزيز الذي من شأنه ان يساعد في توطيد الديمقراطية القائمة على اساس اللامركزية، ولاسيما من خلال توفير خيارات مؤسساتية لسياسات بديلة للمواطنين.
اخيرا اقول ان العراق على وشك الانهيار التام سياسيا واقتصاديا وامنيا ولهذا فان الترتيبات اللامركزية قد تحافظ على البلاد لكن في ظل غياب سياسة عراقية جامعة لكل الاطراف وتشدق الزعامات والقوى بالتوافقية والمحاصصة وتقاسم الغنائم فان امل اعتناق اللامركزية يبدو حلما ورديا.
* الدكتور أحمد الميالي باحث في ملتقى النبأ للحوار وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد