إن أحد أسباب عدم استقرار النظام السياسي هو أننا كل أربع سنوات، وكل دورة انتخابية جديدة، نجنح إلى تغيير القانون الانتخابي. وهذه لمحة سريعة:
إن أحد أسباب عدم استقرار النظام السياسي هو أننا كل أربع سنوات، وكل دورة انتخابية جديدة، نجنح إلى تغيير القانون الانتخابي. وهذه لمحة سريعة:
- عام 2006 كان القانون يتضمن القائمة المغلقة، والعراق دائرة انتخابية واحدة.
- عام 2009 تضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات القائمة المفتوحة لأول مرة.
- عام 2010 في الانتخابات البرلمانية تضمن القانون القائمة المفتوحة وأن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
- عام 2013 في انتخابات مجالس المحافظات تم إدخال نظام سانت ليغو لأول مرة.
- عام 2014 في الانتخابات البرلمانية تم استخدام نظام سانت ليغو بمعدل 1.6.
- عام 2017 سيتم اعتماد نظام مختلط، حيث يتم توزيع نصف المقاعد للفائزين الأكثر أصوات بغض النظر عن القائمة. أما النصف الثاني فيوزع حسب نظام سانت ليغو.
وفي كل دورة انتخابية، تنشغل الساحة السياسية بالقانون الجديد، وكل يدافع عن وجهة نظره. وهناك من يتهم خصومه بأنهم يريدون إقصاءه من خلال القانون. وآخرون يرون في التعديل الجديد إضافة حقيقية للديمقراطية.
لست بصدد مناقشة تفاصيل مشروع القانون الانتخابي للمحافظات والآخر للبرلمان، فهذا يدخلنا في مناقشات طويلة، لكن أود مناقشة تجارب أخرى غير ناجحة كي لا نقع في أخطائها. وستكون هي المدخل لتوضيح الفكرة.
تجارب برلمانيةفي إيطاليا كانت تطبق نظام التمثيل الحزبي والقوائم، لكنه كان كارثة سياسية. إذ أدى إلى إنتاج حكومات إيطالية قلقة لا يمتد عمرها أكثر من عامين كحد أقصى. في حين كان عمر بعض الحكومات لا يتجاوز الأشهر. في عام 2005 تم تعديل النظام الانتخابي ليتحول إلى نظام خليط بين التمثيل النسبي ونظام الصوت الواحد، فاستقر وضع البرلمان وبالتالي استقرار الحكومة.
أما تجربة تركيا فكانت كارثة أيضاً. منذ عام 1961 ولغاية 1982 كانت الحكومات التركية غير مستقرة بسبب كثرة الأحزاب وعدم وجود كتل كبيرة تدير دفة البرلمان وبالتالي الحكومة. في عام 1983 تم تطبيق نظام انتخابي جديد هو نظام التمثيل النسبي وملخصه أن أية كتلة سياسية لا تصل إلى عتبة نسبة 10% من أصوات الناخبين لن تدخل البرلمان، ويجري توزيع أصواتها على الكتل الفائزة.
إن نظام التمثيل النسبي مستخدم في دول كثيرة مثل مصر وتونس وفرنسا وألمانيا وفنزويلا وهنغاريا ونيوزلندا. وتتفاوت عتبة التمثيل من 2% إلى 5%، في حين تبدو النسبة المستخدمة في تركيا وهي 10% عالية جداً.
النظام الانتخابي العراقيأول سؤال يطرح : هل الهدف من النظام الانتخابي هو إدخال أشخاص للبرلمان ليحصلوا على امتيازات ورواتب أم بناء نظام ديمقراطي يقود البلاد نحو الاستقرار؟
إن كثيراً من المقالات والمناقشات تركز على قضية العدالة، وأنه لا يمكن القبول بنظام يعطي مقعداً لمرشح حصل على خمسة آلاف صوت لأنه ترشح ضمن قائمة، ويحرم شخصاً حصل على عشرين ألف صوت لأنه مرشح منفرد. فالغرض هو إدخال هذا الشخص كي تتحقق العدالة. وهذا أمر سليم بحد ذاته، لكن هل يبني نظاماً ديمقراطياً مستقراً؟
كما يدافع كثيرون عن منح المقاعد لأشخاص منفردين بحجة أنه أقرب للتمثيل الحقيقي للشعب وقواه. وكأن الدول ذات الديمقراطيات العريقة لا تعرف التمثيل الحقيقي ولا تريده لشعبها!!!
إن المتوقع اذا طبّق النظام الانتخابي المقترح أن يجري منح قرابة مائة مقعد منفرد لمرشحين حصلوا على أعلى الأصوات غير مرتبطين بقائمة أو أنهم الوحيدون الذين فازوا من قائمتهم. وهذا يعني ما يأتي:
1- تفتيت الكتل البرلمانية إلى كتل صغيرة كثيرة، كل نائب فيها يمثل نفسه فقط لأن الكتلة تتألف من نائب واحد أو نائبين أو ثلاثة.
2- من الصعب تشكيل حكومة من هذا العدد الكبير من الكتل لاختلاف توجهاتها وأهدافها.
3- محاولة إقناع هذه الكتل يعني الخضوع لمطالبها وحصصها التي لا يمكن تلبيتها جميعاً.
4- حتى لو تم إقناعها، ودخلت الحكومة فإنها قد تخرج منها في أية لحظة، أو مبرر مثلاً تريد فرض إرادتها بصدد منصب أو قانون أو قرار. وبذلك تبقى الحكومة تحت رحمة هذه الكتل الصغيرة. وهذا ما تعاني منه دول تطبق هذا النظام.
5- لنفترض أن بعض هذه الكتل يحمل برنامجاً حكومياً أو انتخابياً جيد جداً، ولكن هل يمكنها تنفيذه ؟ ومن يصوّت له؟ هل تستطيع إقناع البرلمان به؟ بالتأكيد الإجابات هي كلا. إن التجربة أثبتت أن هؤلاء النواب لن يكون لهم تأثير إلا إذا كانت لديهم مواهب عالية، وهمة في النشاط والعمل، وقدرة فائقة في الإقناع، ولكن هل ننتظر قدوم هؤلاء ونفرط بالنظام الديمقراطي؟
6- كثير من الدول تطبق التمثيل النسبي، فهل هذه الدول ظالمة لشعوبها ؟ أم أنها حريصة على بناء نظام سياسي مستقر ولو على حساب أفراد؟
خاتمةإن هذه الأنظمة الانتخابية المتنوعة التي يراد تطبيقها تنظر للعراق وكأنه العراق حقل تجارب. إذ تجرب فيه مختلف الأنظمة الانتخابية كي نرى إن كانت صالحة للعراق أم لا. ونترك ما توصل إليه من سبقنا، ونكرر ما قاموا به وفشلوا. فترانا نسير دون معرفة بوصلة الاتجاه المناسب لبلدنا وشعبنا وتركيبة مجتمعنا وتنوعه المذهبي والقومي.
لا يوجد نظام ديمقراطي مستقر يتضمن خمسين حزباً سياسياً، ومشاركة 200 كيان سياسي في كل انتخابات. أغلب الديمقراطيات تتكون من حزبين أو ثلاثة أو أكثر قليلاً، تتفاوت في أحجامها، لكن يوجد حزبان أو أكثر تستطيع إيجاد ائتلاف قادر على تشكيل حكومة مستقرة بعيدة عن عواصف الأزمات الطارئة أو الخلافات الواسعة. ويمكن أن توجد جبهتين أو ثلاثة أو ائتلافات سياسية، مثلاً واحدة تضم الإسلاميين، والأخرى تضم الليبراليين، وثالثة للقوميين، ومن مختلف المذاهب والقوميات في الجبهة الواحدة.
من الضروري أن يكون توجهنا لبناء نظام برلماني وتشريعي سليم، قوي باستقراره، ثابت بقوانينه التي تحفظ العراق دولة وحكومة وشعباً وأحزاباً وقوى اجتماعية ودينية وشعبية.