منذ أكثر من عقد من الزمان والعراق يعاني من تصاعد وتيرة التطرف والإرهاب بمختلف المجالات أمنيا وفكريا واجتماعيا.. و\"التطرف\" مصطلحا يضاد مصط
منذ أكثر من عقد من الزمان والعراق يعاني من تصاعد وتيرة التطرف والإرهاب بمختلف المجالات أمنيا وفكريا واجتماعيا..
و"التطرف" مصطلحا يضاد مصطلح "الوسطية" الذي هو من الوسط "الواقع بين طرفين".
وإذا كان مصطلح "التطرف" يعني "التشدد وتجاوز الحد"، فإن مصطلح "الوسطية" يدل على "العدل" و"السماحة".
ولاشك أن المواجهة كانت ولا زالت شرسة مع الإرهاب وأفكار التطرف واستنزفت الكثير من الطاقات والبرامج لكنها في النهاية لم تأتي بنتائج إيجابيّة، فالعراق لم ينجح في تحويل مواجهة الإرهاب من قضية أمنية محصورةٌ مسؤوليتها في جهة واحدة إلى قضية مجتمعية وهمّ مُشترك للجميع وفتح المجال لجميع المؤسسات والهيئات وحتى الأفراد لمواجهة أفكار التطرف؛ لذلك لم تتغير بوصلة التطرف ولم يرفضه المجتمع، ولم يتم محاصرته حتى يعزل في دوائر ضيقة ومظلمة.
ونحن لا نستطيع القول بأن التطرف يتلاشى تماما أو يختفى، فعلى مرّ العصور وعبر كل الثقافات البشرية من النادر أن تندثر التيارات الفكرية.. فهي تخفّ وتهدأ وتضعف.. لكنها موجودة وقد تعود إذا وجدت ظروفا ملائمة.
ولعل أبرز ملامح الإرهاب والتطرف:
1- مظاهر الغلو الفكري والسلوكي العلنية الظاهرة، حيث أصبحت هذه المظاهر لديها إعلام ينشر افكارها ومناهجها، علما أن المجتمع العراقي ليس لديه وعي في رفض الخطاب المتطرّف، حتى الذي يصل إلى حد الاعتداء على الآخرين.
2- تقديس رموز التطرّف، وصناعة الرمز والعودة بالمجتمع الى زمن البطولات لرموز ولغلاة التطرّف، يصاحب ذلك عملية تسويق لشخصيات إرهابية ومتطرفة.
3- تزايد اعداد المتبنين لهذه الأفكار وخاصة في البيئة الدينية والمناطق الريفية البعيدة عن مدنية التعايش.
وعلى مستوى المواجهة المباشرة الفكرية، نحن بحاجة الى تأسيس مركز لتشخيص الفكر المتطرف وعلاجه ولرعاية ومناصحة المتأثرين بالفكر المتطرف، لأحدث تراجعات بين صفوف أتباع الجماعات المتطرفة وللتأثر في تركيبتهم الفكرية...
ونحتاج لمواجهة التطرف على المستوى البحثي والعلمي وتأسيس عدة كراسي لبحث موضوعات الحوار والوسطية والاعتدال لبلورة المواجهة بطريقة ذات بعد استراتيجي.
وعلى مستوى الاوقاف الدينية المساهمة في ترشيد وتوجيه الخطاب الديني باتجاه الوسطية والاعتدال وما ينفع المُتلقي في التعايش والتسامح.. ورفع مستوى تأهيل الأئمة والخطباء لمواجهة الإرهاب والتطرف الفكري، وذلك عبر برامج نوعية مركزة، وورش عمل، تدريب، ندوات، تعليم مباشر. مع تشخيص الخطاب المتطرف من قبل بعض الخطباء والدعاة!
التطرف في العراق موجود غير متواري ونسبة الرفض المجتمعي له قليلة جدا وليس هناك من يقف ضده فكريا بقوة. ويجب أن نفرق بين الرأي المتشدد وبين الرأي الإرهابي.. المتشدد مرفوض لاشك لكنه يظل رأيا نعالجه بطريقة مناسبة، والرأي الإرهابي هو ما يحمل عنف واعتداء وإقصاء فهذا هو محل البحث الآن.
مواقع التواصل الاجتماعي هي نافذة حية لمحاربة ومكافحة التطرف وذلك بالحوار مع بعض المواقع والمنتديات من باب التفاهم حول احتواء الأزمة فكريا والتخفيف من الاحتقان والتهييج ونبذ الإرهاب والاعتداء.
الجماعات المتطرفة هي أصلا تواجه مشكلة مع نفسها وفشلوا في التعامل مع المجتمعات المدنية الواعية. ولاشك أن الجماعات المتطرفة سواء القاعدة أو داعش وبقية جماعات العنف الأخرى خسرت الكثير من رموزها من الجيل الأول سواء خسرتهم بالقتل أو السجن أو بالتراجع فقد تراجع الكثير من أبناء الجيل الأول عن أفكاره أو بعض أفكاره، وهذا أحدث لديهم فراغا كبيرا وأثر على القوة الفكرية لدى هذه الجماعات.
لكنها تظل جماعات لديها قدرة على التجدد وضخ دماء جديدة فلديهم إنتاج فكري ضخم ومتنوع، كما توجد مصالح معينة للنفخ في هذه الجماعات لتبقى...
أفكار التطرف الحالية عبارة عن موجة لملمت وجمعت مفرداتها من اتجاهات وتيارات وأحزاب متنوعة، فهي موجة فكرية تلفيقية انتقائية تختار من النصوص والمذاهب والتيارات ما يناسبها ويتوافق مع أدبياتها.
ان المجتمعات الشرقية من السهل اختراقها عاطفيا، فهي مجتمعات تربّت على كمية كبيرة من العاطفة في مقابل التوجيه النصي والعقلي، البنية الفكرية الشرقية قريبة من البساطة وتميل للتدين ومتفاعلة بشكل كبير مع الآخر مثل الكثير من المجتمعات الاخرى وهذه التركيبة تكون متهيئة للاختراق والاستغلال؛ لذلك التركيز على رفع مستوى الوعي مهم.
الأمن الفكري منظومة متكاملة كل حلقة فيها مهمة وكل حلقة جزء من الحل الشامل، والوسطية أسلوب حياة شامل، فالتعاون والتنسيق مهم مع بقاء سمة التنوع...
من يريد محاربة التطرف عليه أن لا يتدخل في تفاصيل ما يحدث في الدول التي ترعى التطرف.. وليساهم في تعزيز المفاهيم والأصول الكليّة العامة المهمة مثل: حفظ الحقوق، وتحريم العنف والاعتداء على الآخرين، المحافظة على التعايش والائتلاف، والمحافظة على الهوية..
الآن في مناطق الصراع تُصاغ تشكلات جديدة وبأيدي أطراف وأطياف مشبوهة فقد استفادوا من تجربة تكوين القاعدة والآن يستثمروا وجود البيئة الفكرية المناسبة لتشكيل بؤر متطرفة ثم إعادة إرسالها إلى بلادنا وغيرها من مناطق العالم.
الأفكار المتطرفة الآن والتي تحمل عنفا واضحا أكثر بثا نظرا لتطور وسائل النشر والبث عبر الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي وبدأت فعلا في إعداد منصات إعلامية ومنصات نشر لكنها أضعف بكثير من تجربة القاعدة في 2003 مـ نظرا لضعف المحتوى العلمي والفكري.
المؤمل الآن التحرك الشامل في مجال التحصين والتوعية وكشف حقائق هذه الجماعات، وكذلك لماذا لا يكون ثمة توعية في مناطق الصراع حتى لا يُتركون لمن يخطط في استغلالهم لمصالح سياسية أو مذهبية فاسدة.
المرحلة القادمة ستكون صعبة وأكثر تشعبا، فنحن ومنذ عشر سنوات نعاني من تجربة القاعدة في أفغانستان، فكيف وقد تعددت البيئات المشابهة وتعددت الجماعات واتجهت بعض الجهات المغرضة إلى تجيير هذه الجماعات لصالحها.
المجال الأمني الميداني له جهاته التي تعرف كيف تتعامل مع الوضع، لكن المجال الفكري هو الذي يحتاج إلى دراسة وترتيب ورغبة صادقة في تأسيس عمل مؤسسي فكري يواجه هذه التيارات الفكرية المنحرفة.
البرامج والمشاركات الجماعية والفردية التي واجهت التطرف قدمت ما تستطيع خلال الفترة الماضية وهي بحاجة إلى تقويم وتقوية لتكون بمستوى المهددات الفكرية.
* هشام الهاشمي: كاتب وباحث في شؤون الإرهاب، وباحث مشارك في ملتقى النبأ للحوار ...........................* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية