يشتد جدل ساخن بين النخب السياسية والاعلامية في العراق على وقع التصادم الكبير الذي يحدث في منطقتنا ،و سعي اطراف الصدام الى اكتساب نفوذ قوي لها في داخل العراق ، الامر الذي يثير نقاشا وجدلا بين العراقيين عن المواقف التي يتوجب اتخاذها لحفظ مصالح العراق .
فبينما لايخفي مسؤولون ايرانيون كبار
رغبتهم في الاعلان المتكرر عن نجاح بلادهم في بناء علاقات وثيقة ومتينة مع العراق ،وانهم كانو داعمين للشعب العراقي وحكوماته المتعاقبة في التصدي للارهاب عبر تزويد العراق بالسلاح وانفاق اموال طائلة وارسال مستشارين قضى بعضهم على الارض العراقية ، وفيما تفتخر ايران بانها كسبت اصدقاء وموالين كان لهم دور مهم في كسر شوكة داعش ،ينظر غرماء ايران الى هذا (النفوذ) والحضور السياسي والاقتصادي الايراني ،الى انه نتيجة لفعل سياسي طويل وعوامل ثقافية ومذهبية وايديولوجية ،اهملها خصوم ايران طويلا ثم اكتشفوا متاخرين ان ترك الساحة العراقية كان خطأ جسيما عاد عليهم بالخسارة لان بلدا بعمق وحجم وتاريخ وثقل العراق لايمكن عزله او مقاطعته او الرقص على جراحاته ونكباته وازماته ,وبالتالي ماكان سياسة عربية يوما ما تعتمد المواقف السلبية تغيرت اليوم الى انفتاح عربي خصوصا مع تطابق الموقفين الامريكي والعربي في استراتيجية (التصدي) لايران في مناطق نفوذها بانتهاج سياسات ناعمة وصلبة .
العراق الذي مازال يواجه الارهاب رغم انتصاره العسكري الكبير يسعى الى توظيف كل دعم ومساندة من جيرانه واشقائه للتغلب على صعوبات وتحديات مابعد داعش دون ان يغفل مساعي المتخاصمين لادخاله في هذا المحور او ذاك .
مشكلة النخب العراقية انها منقسمة بدواع ايديولوجية فثمة شيعة يقدمون انتماؤهم المذهبي على بقية الاعتبارات السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية ويرون التحالف الوثيق مع ايران هو ضمانة لامن العراق بدليل وقوفها مع العراقيين في احرج اللحظات يوم وصلت مفارز داعش على ابواب اربيل واعتاب بغداد ،وهؤلاء يتطابقون مع ايران في رؤيتها وتحليلها لدور امريكا وحلفائها في المنطقة والموقف الملتبس من الارهاب ،ومن كان محرضا وداعما ،وهولاء يصنفون انفسهم على محور المقاومة ويريدون للعراق ان يكون جزء من هذا المحور الذي حقق مكاسب مهمة في العراق وسوريا ،دون اخذ معطيات وتعقيدات الواقع الجيوسياسي العراقي المعقد والاستقطاب السياسي الداخلي الحاد والموقف التقليدي لسنة العراق الذي يرتاب بكل موقف ايراني ولايرى في سياستها الا مكرا ومدا للنفوذ القومي بل يذهب متطرفوهم الى سلب صفة الاسلامية عن ايران وردها الى اصولها الزرداشتية في تماه تام مع المنطلقات السلفية التكفيرية .عراقيون اخرون يعتقدون ان العراق لايمكنه حفظ مصالحه دون علاقات وطيدة وتفاهم معقول مع جيرانه وعمل دؤوب على جعل المتناقضين والمتصارعين يتفهمون اوضاع العراق وضرورياته الامنية والسياسية ويذهبون بعيدا في رؤاهم المتفائلة لدرجة تبنيهم منهج التوازن في العلاقات والمواقف وتحويل الاختلاف الى ائتلاف والمقاطعة الى مصالحة والاشتباك الاعلامي والسياسي والعسكري الى سلام بارد وقبول بواقعية التفاهم وتبادل المصالح والمنافع وتجاوز المخاوف والعداء .
هذه الرؤى المتباينة كانت ومازالت مادة الحراك السياسي والاعلامي وتتصاعد مع كل خطوة ومسلك يصدر عن جيران العراق ومحيطه الاقليمي ،بل يذهب البعض الى جعل القضايا الداخلية والتشريعات والمواقف والسياسات العامة مستجيبة للحساسيات الاقليمية والدولية ويجب ان تاخذها بالاعتبار .حفاظا على بيئة مواتية للعراق وليس مرتابة بسلوكه الداخلي والخارجي.
الحكومة انتهجت سياسة التوفيق بين مصالح العراق ومتطلباته الامنية وضواغطه الداخلية وبين ماترغب به الولايات المتحدة واغلب المجموعة العربية ودول التحالف الدولي ضد الارهاب وبين موقف المساندة غير المشروط من محور المقاومة ،العمل ضمن منطق التوازنات دقيق ويحتاج الى حنكة ورؤية بمآلات الامور واتجاهات الصراع ،الداخل العراقي يموج في حراك ربما ستحسمه انتخابات ايار المقبل ،والمرشحون والقوائم هم صدى لتعددية المواقف والرؤى من مجمل هذه القضايا الضاغطة فهل ستكون انتخاباتنا استجابة لدواعي المصلحة الوطنية ام استجابة لضغوط الخارج؟.